|
ثقافة أعلم هذا ومع ذلك وقعت في مطب عالي الارتفاع وماكنت لأسرد عليكم هذا المطب لولا شهوة القص لدي وعلمي أن تلك الواقعة ستذهب أدراج الرياح إن لم تدون وبذا أخون مهنتي ككاتب.. فكرت لماذا لا أقصد الناشر «فلان» فهو دخل بموجة عالية ميادين الأدب كافة: شاعر وقاص وروائي ومسرحي وناقد وكاتب خواطر وزوايا اجتماعية وسياسية وكاتب للأطفال هو أديب كاتب بأوسع المقاييس والمعايير قلت لو أن كل فرع من فروع الأدب صقله قليلاً فقط لغدا نموذجاً يحتذى.. لماذا أقصد (حمص) أو سواها وابن البلد مراجعته أيسر وهو أولى.. استقبلني بقسمات باشة مزينة. - منذ زمن وأنا اتساءل لماذا لا تنشر عندي؟ - ها، قد جئت مصححاً خطأي.. أريد أن أنشر هذا الكتاب. - كم نسخة؟ - مئتان. - مئتان؟ ما هذا يا أستاذ؟ أمر معيب أمثال شعبية روسية يقرأها ما هب ودب يجب أن تطبع ألف نسخة أو على أقل تقدير 500 نسخة! - أفهمك تماماً، لكنني أعلم أنني عاجز عن تسويق 50 نسخة خاصة بعد أن فقدت وزارة الثقافة كنافذة أولى للبيع وأنا لست تاجر «شنطة» كما تعلم لذا أنا مصر على المئتي نسخة لا تزيد ولا تنقص، يكفي ما لدي من الكتب المكدسة، اتفقنا على الكلفة وفتح لي صفحة في مذكرته الزرقاء دون فيها المعلومات كافة ووضع خطاً بيد عصبية على الرقم 200 نسخة. وكانت المفاجأة عند استلام الكتاب 500 نسخة مطبوعة. - ما هذا يا أستاذ؟ - ألم تعجبك الطباعة؟ - أنا لا أسأل عن الطباعة، أسأل عن عدد النسخ، هل تتصدق علي بثلاثمئة نسخة إضافية؟ - كيف سأتصدق؟ كل شيء بحسابه. - أي حساب؟ افتح على صفحتي في مذكرتك الجميلة. - آه، للأسف، قد أوقعني ضغط العمل في هذه الورطة! - أنا لا يمكنني أن أتقبل ورطتك، أنت من اخطأ وعليك دفع الثمن! - بسيطة يا أستاذ! إن كنت لا ترغب بهذه النسخ اتركها لي وخذ المئتي نسخة التي تخصك بالسعر الذي اتفقنا عليه ذاته! - وكم ستدفع لي لقاء هذه النسخ الثلاثمئة؟ - لاشيء. - أنت تستهبلني؟ من سيقدم إليك ثلاثمئة نسخة مجاناً وبلا أي مقابل؟ وما الذي يثبت لي أنك لم تتعمد هذا الخطأ، لعل ما أسميته ورطة هي طريقتك المثلى. - اسمع يا أستاذ ما من ضرورة لخلق مشكلة غير موجودة أنت تعلم أن سوق الكتاب «داقرة» هذه الأيام ونسخك هذه لا تعني لي شيئاً خذها. تطلعت في الزوايا، علني أرى الكاميرا الخفية وحين تيقنت من عدم وجودها قلت بهدوء مصطنع: - أصبح الكتاب في نظرك زبالة إذاً؟! - أنا لا أقول هذا أشكو من كساد الكتاب لا أكثر. - اسمع، يا أستاذنا الأديب، أعرض عليك النسخ الثلائمئة بسعر خمس عشرة ليرة لا غير. كان يعلم أنني سأبيعه النسخة بعشر ليرات لكنه أصر على أخذها مجاناً قائلاً: - لا، أعوذ بالله! لا أشتريها مطلقاً ولابشيء. في نهاية حكايتي هل وجدتموني محقاً في تدوين الواقعة؟ ألا يتوجب على كاتبنا «المبدع» في شتى ميادين الأدب أن يشكرني على تسجيل براءة الاختراع باسمه بدلاً من دعوى التشهير به؟! |
|