|
ثقافة ومن خلال ماقدم له الأستاذ عبد الرحمن الحلبي معد ومقدم ندوة كاتب وموقف ندرك أنه أحد أبناء العربية الذين عز عليهم ماآل إليه حالها، لذلك خصص ندوته للحديث عنها وعن مجمعها وأبنائها آملاً أن تخرج مجامع اللغة العربية من صياصيها إلى الناس لأن أبناءها يعزون أنفسهم حين يعزونها، ويذلون أنفسهم حين يستهينون بها. أول مجمع علمي د. مازن مبارك عضو مجمع اللغة العربية وأحد علمائها المشاركين في الندوة، رأى أن العنوان الذي وضعه الحلبي يتفرع إلى عناصر ثلاثة، كل منها يحتاج إلى ندوة إن لم نقل إلى ندوات، لكن المنهج يقتضي اللغة من خلال العنصرين الآخرين وهما: مجمعها وأبناؤها فمنذ فجر النهضة عانت ماعانت وسيتبين ذلك من خلال مسيرة المجتمع وموقفه من اللغة وأبنائها على اختلاف مشاربهم وشرائحهم وعليه عاد بنا إلى العقد الثاني من القرن العشرين يوم دخل الأمير فيصل دمشق معلناً استقلال سورية في 5/10/1918 وتم تشكيل الحكومة العربية برئاسة علي رضا الركابي ولم يمض شهران على تعيينه حتى شكل لجاناً ثلاثاً استطاعت الحكومة من خلالها أن تقلب وجه الأمة والمجتمع عن طريق التعبئة اللغوية من ثوب لاتجد خيطاً فيه إلا بالتركية إلى آخر مشرق تتلألأ الألسنة والأقلام فيه باللغة العربية، مشيراً إلى أن بلاد الشام شهدت في تلك الفترة حماسة منقطعة النظير للتعريب ساهمت في خلق نسيج رسمي وشعبي متماسك يتم العمل فيه على أكمل وجه. إذ عملت الحكومة على تأليف لجان كان أهمها ديوان المعارف الذي أسندت رئاسته إلى محمد كرد علي وحين اتسعت أعماله اقترح الحاكم الركابي أن تصبح هذه اللجنة في قسميه الأول للمعارف مديره ساطع الحصري والقسم الثاني يقوم كرد علي عليه وسماه المجمع العلمي العربي وذلك في 8 حزيران 1919 ليكون أول مجمع للغة العربية في الوطن العربي على الإطلاق ولتعقد أول جلسة للمجمعين في مقره الأول بباب البريد في 30 تموز من العام نفسه. محطات لها تاريخ أما أهداف المجمع حين إنشائه فقد جمعها د. المبارك في بنود عشرة ملخصاً عمر المجمع بأربع محطات: الأولى: 1928 صدر فيها أول قانون له حدد من خلاله عدد أعضائه الثانية: 1943 وضع فيها النظام الداخلي مشترطاً أن يكون أعضاؤه مقيمين في دمشق الثالثة: 1960 وفيها سمي مجمع اللغة العربية أسوة بسائر المجامع المحطة الرابعة: وهي التي عقدت في عهد الرئيس بشار الأسد وفيها أصدر قانوناً زاد فيه عدد أعضاء المجمع ومنحه الدعم والتشجيع، كما زاد عدد لجانه ليتسع نشاطه وندواته ومؤتمراته. بين التطبيق والتنظير ابتدأ د. محمود السيد عضو مجمع اللغة العربية ورئيس لجنة تمكينها من حيث انتهى د. المبارك وقبل أن يخوض في المحطة الرابعة توقف عند معنى اللغة الأم ولغة الأم مبيناً أن الثانية هي العامية، أما الأولى في اللغة الموحدة على نطاق الأمة، وتحدث عن أبعادها، فهي ذات بعد قومي لأنها تجمع بين أبناء الأمة وآخر ديني، فضلاً عن أنها ذات بعد مجتمعي وتربوي فمن يدرس بلغته الأم يتمثل المعارف ويستوعبها. وأخيراً: ذات بعد ثقافي، لأن الثقافة هي الحصن الأخير للأمة ومحورها اللغة بمفهومها المنظومي الشمولي المتكامل. وتطرق د. السيد إلى الأعمال والانجازات التي قام بها المجمع منذ عام 1997 حتى 2009 من إصداره للكتب والمعاجم وعقده للمؤتمرات السنوية، وعرف بلجانه ومهامها لافتاً إلى أن النهوض باللغة العربية لايلقى على كاهل المجمع وحده لأن اللغة مؤسسة اجتماعية فمرافق المجتمع كلها مسؤولة عن هذا الأمر وهو ماتحرص عليه اللغات الحية. نحو وعي لغوي بوصفه أحد أبنائها منحدراً ورضاعة ونشأة وتعليماً وثقافة ونسباً استشرف د. مازن المبارك حالنا فأصدر بحثاً بعنوان «نحو وعي لغوي» وصوب هذا الوعي انتقل عبد الرحمن الحلبي انطلق ليسأل الأخير عن النحو العربي والعلة النحوية اللذين تحدث عنهما في كتابه «النحو العربي» ويبين المؤلف أن النحو انتقل من البحث في مرحلته الأولى إلى مرحلة تعقيدية بعيدة عن الفطرة والحس اللغوي مؤكداً أن اللغة سليقة وملكة تكتسب بالممارسة ولاتتعلم بألفية ابن مالك. أما النحو فهو قانونها الذي نحتكم إليه إذا اختلفنا، فلم إذاً نرهق عقول أبنائنا بلزوم مالايلزم بموضوعات كثيرة فيه لاتحتاج إلى دراسة. من جهته المربي د. محمود السيد الذي أصدر كتاباً حديثاً بعنوان «اللغة وتحديات العصر» يرى أن اللغة أسبق من النحو وخوفاً على سلامتها وضع النحو واتفق الاثنان على أن اللغة تكتسب بالتقليد والممارسة والسماع، ولوكان لدينا إعلام مخلص لما احتجنا إلى أستاذ نحوي. تمكين اللغة العربية وتابع مدير الندوة مع د. السيد مستوضحاً عن لجنة تمكين اللغة العربية لكونه رئيساً لها، ما أعمالها وأهدافها، وماذا أنجزت منها حتى الآن؟ الذي تحدث بدوره عن بعض الانجازات ومنها: إصدار وزارة التربية تعميماً تدعو فيه المدرسين إلى استخدام اللغة الفصيحة في التدريس. وتخصيص وزارة الأوقاف خطب الجمعة للحديث عن دور اللغة في حياة الفرد وفهم العقيدة، كما تابعت اللجنة مشروع النهوض باللغة العربية نحو مجتمع المعرفة الذي تقدمت به سورية إلى القمة العربية في دمشق، ثم دعت أمانة جامعة الدول العربية إلى وضع آليات لتنفيذه على النطاق القومي، وعرض بعدها على مؤتمر القمة العربية في الدوحة والمنظمة العربية للثقافة والعلوم في صدد تنفيذه الآن. تساؤلات وعتب صحيح أن الندوة عقدت في أيار إلا أن حرارة الأسئلة كانت تشير بأننا في شهر تموز، وكانت مضمنة بعتب على تقصير المجمع. أحد الحضور تساءل عن نشاط المجمع موضحاً أنه لدى إجراء مقارنة بين ماقدمه المجمع منذ إنشائه حتى الستينيات من القرن الماضي وبين نشاطه منذ السبعيينات حتى اليوم لنكتشف تراجع دوره وأنشطته على الرغم من زيادة عدد لجانه وموظفيه وحجم ميزانيته، فليس مهماً ماذا قررنا وماذا كتبنا المهم هوالتطبيق على أرض الواقع. د. محمود السيد رأى أن كلام السائل ليس فيه موضوعية كاملة، إذ لايمكنه إلا أن يذكر بعض الانجازات التي قام بها المجمع موضحاً أن أحداً لم يقم بعملية تقويم للأداء حتى تعرف الثغرات ولم يتم بحث علمي نتيجة استطلاع للرأي أو استبيانات لنعرف هل يقوم المجمع بواجبه أم لا، مؤكداً في الوقت نفسه أنه حتى الآن لم يجار التفجر المعرفي لكن المسؤولية لاتقع عليه وحده. فالقانون الجديد لايلزم الجهات المعنية بقراراته وتوصياته رغم أنه المرجعية اللغوية الأولى في شؤون اللغة. في مداخلته رد الزميل ديب علي حسن شكوى المجمعيين حول تقصير الإعلام إليهم، مؤكداً أنه لم يصلنا أي خبر عن نشاطات المجمع إلا من أربعة أشهر عندما أنشىء المكتب الصحفي، وتطرق إلى ضرورة تحديث المناهج في اللغة العربية ، مبيناً أن آخر نص أدبي في الثالث الثانوي الأدبي يعود إلى عام 1973 وهو إشراقة النصر في تشرين للراحل نزار قباني، ومابين تشرين السبعينيات وتشرين اليوم ثروة لغوية كبيرة لم يتسن لطالب الـ 2009 التعرف عليها حتى الآن مع الإشارة إلى أن وزير التربية في لقائه مع الثورة منذ أربع سنوات وعد بمناهج تربوية حديثة وربما يأتي وزراء كثيرون ولانرى تلك المناهج. وشارك أيضاً رئيس مجمع اللغة العربية الذي أتى مستمعاً بمداخلة اعترف فيها بتقصير المجمع قائلاً: نحن مقصرون بأشخاصنا... بمؤسساتنا... وبماندعم به وبالمحيط الذي نجول فيه، و إن كان ثمة فقدان للثقة بالمجمع لجهة عدم حضور نشاطاته والإعلان عنها فنحن هنا لإعادة مثل هذه الثقة. |
|