|
شؤون سياسية إنني ومع التنبه الكامل للفروقات الجغرافية والسكانية والمقدرات بين الدولتين حيث روسيا دولة عظمى تؤكد على عظمتها كل يوم عبر سورية ، وسورية دولة عربية تستمد عظمتها وكأنها الفلينة الأخيرة التي تسد الثغرات التي فتحها العالم الغربي على الشرق ، ما يكسبها عظمة ملحوظة دفعتنا لأن نكتبها بالألف لا بالياء مثل الدول العظمى الأخرى أعني أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وبلجيكا وروسيا، مع علمنا الأكيد أن مرسوماً سورياً يقضي بكتابتها بالياء تاكيداً على تمييزها عن سورية الهلال الخصيب . ما زالت روسيا وهي ستستمر قطعاً برمي الحجارة وخلق القلق المدروس والخانق والناعم في مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ، وهي ستبقى إلى أمد بعيد صاحبة نفوذ وتأثير في تحديد مستقبل الملفات الدولية. لا نقول أن روسيا تعتمد على نظرتها التاريخية إلى نفسها كدولة عظمى لها حق الفيتو ، بالرغم من إدراكها الكامل لخفوت وهج عظمتها منذ أن تحول زعيمها السابق فلاديمير بوتين إلى مناصرة الولايات المتحدة الأميركية ودعمها مجاناً وخارج إي مساومة في حملتها المستعرة ضد الارهاب مع أن التاريخ الغربي قد ألف زعماء السوفيات في لجوئهم إلى المساومات والمقايضات المعقدة قبل الإقرار بأي تنازل لهذا الغرب . ماذا نقول إذاً ؟ نقول أن الرفض أو النقض الكبير جداً حيال ما فعله ويفعله الغرب ، كما تبدو ما زالت مسكونة بحنين نرجسي قوي يجعلها تنصاع مزهوة في سياساتها المترددة بين الشرق والغرب إلى تاريخها وماضيها العريق حتى ولو أوصلها إلى القياصرة . إن أفضل مثال على ذلك سورية الذي يستقبل رئيسها بشار الأسد المبعوثين الروس ، وكان آخرهم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف موفداً من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف المسكون بعهدي بوتين الرئيس السابق الرئيس السابق الذي جاء يسمع تقدير سورية الكبير (والطبيعي والمعتاد ) لموقف روسيا المتوازن ازاء التطورات التي تشهدها سورية بعدما خاضت موسكو اختبار قوة مع الغربيين في مجلس الأمن بتقديمها مشروع قرار عن سورية يلغي العقوبات التي يفرضها مشروع قرار آخر منافس لهؤلاء وإذا ما انتقد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة السفير فيتالي تشوركين مشروع القرار الأميركي - الأوروبي المقدم إلى المجلس عن سورية واعتبره غير موضوعي ويفرض الضغوط على القيادة السورية فإنه قال : على أنه لا يتعين على مجلس الأمن ألا يظل منعزلاً ولكن من المهم ان يتصرف بطريقة إيجابية ليست هي المرة الأولى التي يقف فيها الروسي إلى جانب سورية ، بالرغم من أنه أشاح ببصره عن العراق تحت القبضة الأميركية . وقد لا ينفع إلحاح الاتحاد الاوروبي على سورية الذي يعوض بعضاً من الفشل الأميركي إرضاءً لها ، ولو توصل إلى اتفاق مبدئي(ضعوا خطاً تحت كلمة مبدئي ) على حظر استيراد النفط من سورية ، وعلى الرغم أيضاً وأيضاً من إلحاح واشنطن الرسمي واليومي من أن «عزلة الرئيس الأسد تزداد أكثر ، والمجتمع الدولي يكثف مطالبته بصوت واحد بوضع حد فوري للعنف ... وتكثيف العمل الدولي على أمل التوصل إلى فرض عقوبات ، وهذا الأمر سيكون أولوية دبلوماسية في الايام والاسابيع المقبلة». لن يفهم العالم الموقف الروسي وقوة روسيا المتجددة إلا بالوقوف عند كلمات تحمل الأمل والمبدئية والتمني التي تغزو اللسانين الأوروبي والأميركي ، وهي كلها تصب في ما يتجاوز الوضع السوري ومستقبل سورية الذي ، وكما يبدو، يملأ الخط الفاصل في حسم الكثير من الإلتباسات والعقد التي تراكمت بين روسيا التي أقبلت على الغرب والغرب الذي أدبر عنها . إن إحدى أكبر التحديات المقلقة التي يطمح إليها الغرب هو البحث عن الفلسفة أو الطرائق التي تخوله الوصول إلى خط الاطمئنان بإمكانية دمج روسيا في نسيج المجتمع الدولي . وعندما نذكر الغرب أو المجتمع الدولي في مجال الكلام عن روسيا وتحولاتها في القرن الواحد والعشرين ، فعلينا أن نتوقف عن السيلان في القول والكتابة لأن الغرب لا يعود يعني بالنسبة للباحثين الولايات المتحدة الأميركية وحسب، بل المجموعة الأوروبية أيضاً، بكل تناقضاتها وتضارب مصالح دولها وتطلعاتها المتنوعة وينسل أمامنا هنا شريط تاريخ لا ينتهي من الانسجام والتنسيق في ما بين أوروبا وأميركا، كما يصطدم حبرنا وتفكيرنا في المقابل ، بكثير من الجدران والخيبات والأزمات التي تعصف بصمت لا يوصف بالعلاقات بين مستقبل أميركا أو أحادية الدول العظمى حيال اليقظة الأوروبية المتأرجحة بين أقصى الشرق وصولاً إلى القوقاز وأقصى الجنوب وصولاً إلى عمق البلاد العربية والإسلامية ، وإذا شئنا أن نكون صادقين فإنما نلتمس خطاً نارياً خافتاً لطالما شغل حبر الكثير منا بين أوروبا والإسلام ، وهو على أي حال خط ناري واضح ذو ملامح ومطامع أميركية تضاعف وضوحه منذ سقوط البرجين في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 وقرع أبواب الشرق العربي الإسلامي عبر بغداد وأفغانستان الحيرة في العلاقة بين روسيا وأوروبا التي تعني في الذهن الروسي حلف الناتو الذي شهد ويشهد توسعات في قيمه وتطويلات في ذراعية العسكريتين ودراسات وأوراق عمل لاتنتهي بالنسبة لمستقبله تختصر مصالح دوله المتناقضة أو المتنافرة، وهي لا توازي في حقائق الواقع تلك الحيرة الواضحة لكن ليست الكبيرة بين روسيا وأميركا، لن ننسى بريطانيا هنا التي ما زالت تمثل الذراع أو اللسان الدبلوماسي والعسكري الممتددأميركياً على ضفاف الأطلسي خارقاً القارة الأوروبية، صحيح أن محصلة أوروبا من المساهمة بردم بلدان أوروباالشرقية بالمعنى السياسي منذ سحر البريريسترويكا منحها أمرين :الارتياح وتوسيع القيم الغربية على بقايا ما أورثته الحرب الباردة من ناحية ، وتضاعف الأعباء المادية والحضارية التي ترتبت على تلك التحولات الهائلة التي شهدتها القارة في زمن قياسي من ناحية أخرى ، لكن دك الأنظمة غير الليبرالية جعلها تتحول إلى ضفاف المتوسط وخصوصاً شمالي أفريقيا، حيث شغلت مقولة الشراكة السجادة الحمراء التي برزت مفاعيلها ومعانيها وتبرز في ليبيا ، وهي سجادة ملفوفة باستراتيجية كيفية معالجة شؤون الشرق الأوسط التي تتقدم على كل استراتيجية أخرى أستاذ الاعلام السياسي في المعهد العالي للدكتوراه - لبنان |
|