تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«من يكتب التاريخ؟ »

معاً على الطريق
السبت 10-9-2011
قمر كيلاني

من يكتب التاريخ؟.. سؤال ظل يتغلغل في بطون الكتب والأسفار على مدى التاريخ.. من يكتبه على أنه حقائق ووقائع ثابتة لا تتزحزح ولا تتزعزع؟.. هذا التاريخ يكتبه عادة الأقوياء،

والمنتصرون، والذين يسطون على أراضي غيرهم ويضمونها اليهم الى آخر السلسلة بدءاً من الاستعمار وانتهاء بالاستيطان.‏

لكن حقيقة أخرى تظل غائبة عن الناس عموماً تلك التي تستخرج من بطون الأحداث كما جرت وتشع مثل اللآلئ.. يكتب هذا التاريخ البسطاء وربما العامة من الناس في كتب هي نادرة وقليلة جداً، وبلغة ركيكة كأنها الدارجة أو العامية حين كتبت.. كما يثبّتها في لوحة التاريخ الأدب، والشعر، والحكايات التي تروى للصغار.. وحتى الأغاني والأهازيج.. وبعض الكتب العربية في فن الغناء تُرجع هذه الألحان، والأشعار، والأنغام الى فترة انبثاقها وشيوعها، وتغلغلها بين الناس حتى قالوا إن المواويل ما كانت في بدايتها إلا نواحاً وبكاءً على الذين قضوا في الحروب والمعارك.. وهكذا أيضاً أناشيد يرددها الصغار ولو كانت من ألف عام.‏

كل هذا مهم وحديثه يطول ويدور حوله جدل أطول.. لكننا الآن بالتحديد نقول من يقرأ التاريخ لا من يكتب التاريخ.. وهل عاد في ظننا أن التاريخ الذي نعيشه منذ قرن تقريباً والذي تفجر خطوطاً وأضواء في كل فضاء باستطاعة كل إنسان أن يقرأ فيه ثم يغيبه في أمواج العدم.‏

هل نظن أننا لو قرأنا التاريخ بإمعان وتدبر وفهم لمدلولات الأشياء لا نخرج من ذلك بطائل إلا أن تنصرف عنا الأجيال بدعوى أننا غارقون في التراث، ونريد أن نعيد سفينة الحياة الى بدئها كما فعل نوح بحشره كل من يستحق الحياة فأغرق الباقين بملء الحكمة واليقين.‏

ويزيد الأمر سوءً وتعقيداً أن التسليح أصبح يشبه التسليع.. فهذه الدول العظمى والكبرى التي تمتص أموالنا وخيراتنا وحياتنا ربما هي التي تكدس أمامنا هذه الاسلحة.. نتهافت على شرائها من دم شعوبنا.. حتى إذا فار التنور سددناها الى نحورنا.. والى مهود أطفالنا.. والى الحياة التي لا يعلو عليها شيء في هذا الكون.‏

هل سمعنا مثلاً بحرب طاحنة قامت في أميركا أو أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؟.. وهل هذا السبق العلمي في صنع أفتك أنواع الأسلحة يجعلها موجودة لديهم بالكثرة الموجودة عندنا؟.. فلنقرأ التاريخ إذن.. التاريخ الحاضر وليس المعاصر فقط هو الذي يوجههنا ويعطينا في كل لحظة قوائم المتغيرات في حياتنا التي بدأت تفقد بوصلتها.. وتغيب عنها الدلالات.‏

بلادنا العربية (حماها الله) طافحة بالخيرات فوق الأرض وتحت الأرض.. والذهب يسيل فيها أنهاراً لو أردنا.. ومع هذا فالمجاعات تفتك بنا.. والفقر والعشوائيات وبيوت الصفيح هذا وغيره يتسلل حتى الى المراقد الجافة.. والخيام المنبوذة.. ووسائد القش التي لم تعد ترتاح اليها حتى رؤوس الأطفال.‏

ونحن العرب في كل بلد عربي نملك طاقات هائلة.. خلاقة ومبدعة.. ونملك ثروات بشرية لا حدود لها لو أحسن توجيهها واستخدامها. وأذكر أن أحد الرؤساء العرب ممن ارتحلوا والسخط عليه قائم قال لشعبه: أنا لم أترك لكم ثروات لكني تركت لكم العلم والجامعات، وبنيت إنسانا عربياً من الداخل بمقدار ما استطعت.‏

التاريخ يترصدنا.. وكما قال المتنبي:‏

كلما أنبت الزمان قناة ركب المرء في القناة سنانا‏

ومراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيه أو نتفانى‏

وعذراً يا بيت العرب سواء كنت خيمة أو قصراً فالأجيال تنتظر لكن موكب الحياة لا ينتظر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية