|
معاً على الطريق ومصائر السياسة التي لا يعرف أحد أين تقع ولماذا؟. الغائبون.. الحاضرون هم الذين يتجمعون وبأعداد لا نقول كثيرة بل هائلة من خلال الأثير ليقرروا معارضة أو تظاهرة.. تأييداً أو تحييداً.. ويتحول هذا التجمع الى قوة فاعلة على الأرض.. ويتساءل أحد منا أحياناً: كيف تجمعوا؟.. وهل هم صادقون في تجمعهم؟.. وهل هذا هو المنفذ الوحيد والمتفوق الآن للتواصل لا الاجتماعي فقط بل السياسي أيضاً؟.. ويكون الجواب أننا أصبحنا نرى آثار ذلك على الأرض وبين ساعة وأخرى.. والشاشات تتلامع في الفضاء مثل مرايا أسطورية. وها هي التظاهرة مثلاً وقد شد أزرها الألوف تصبح من العادي أو المألوف.. ولا تكون فاعلة حقاً في نظر من يفعّلونها إلا عند مشاهدتها تتحقق على الأرض. ويندفع هذا التيار عالمياً بحيث يتواصل التأثير بين القارات الخمس وكأنه بين أحياء خمسة.. أو بين أشخاص على طاولة واحدة يتبادلون الرأي.. ويصل هذا الأسلوب الإعلامي الجهنمي إلى المؤتمرات العالمية التي تقرر مصائر الشعوب.. وها هو هذا التيار الآن يحط ركابه في ساعة محددة، ويوم محدد على البريد الالكتروني للرئيس الأمريكي أوباما لكي يسمع صوتاً يتصورون أنه لم يسمعه قط مع أن الأصوات منتشرة مع ذرات الهواء ضحكاً وبكاءً.. وفواجع وأحزاناً... ويكفي الإحساس للإنسان المعاصر أنه قادر على أن يلج أي جو من الأجواء لا بالنداء بل بضغط صغير على زر صغير في معجزة الفضاء. يحصل هذا في عالمنا العربي هكذا فجأة ودون أن نكون مستعدين لهذا الأمر الجلل لا مادياً بالحصول على التكنولوجيا وانتشارها.. ولا بتهيئة الأفراد أو الشبيبة على الأقل لاستخدامها بالطريقة المثلى فلا تكون وبالاً أو نكالاً بدل أن تكون أمناً وسلاماً وتفاهماً بين الذين أنبتتهم أرض واحدة.. وظللتهم سماء واحدة.. وجمعتهم ـ سبحان الله ـ لغة واحدة لعلها ظلت السارية المنتصرة التي ترفرف على هذا العالم العربي. وربما نعجز عن تفسير ذلك مهما دلتنا الإحصاءات والاستفتاءات على مواطن الضعف أو اللطف لنتواصل بالشكل الذي يجب علينا أن نتواصل فيه.. فما معنى اليمن إن لم تكن هناك سورية ومن قائل فيها (لابد من صنعاء وإن طال السفر)؟.. وما مغزى أن تتلهف القلوب الى الحجاز ومكة المكرمة إن لم تكن الأصوات بلغة واحدة في مكان واحد، وبشكل واحد يعجز عنه أكبر اختصاصيي التنظيم والتنظير ورسم شكل سينمائي من أشكال التعبير. وكل ليلة نحاول أن نعانق فيها أنفسنا لكي ننام وعيوننا ملأى بالدمع.. وصرختنا المكتومة تحتاج الى دفع.. والمشاهد المفجعة تتداخل أمامنا مشوشة وخاطفة.. ونحن حائرون الى متى هكذا نسير؟.. وما مسارنا وتقرير المصير؟.. فلا مصر هدأت.. ولا تونس عثرت على مفاتيحها المسلوبة.. ولا ليبيا وضعت السد المنشود لمياه الأموال التي تتدفق خارج الوطن المعبود. أما إذا تناسينا العداء.. وتشتت الآراء.. وما أفسحنا المجال لإسرائيل لكي تسرح وتمرح في عوالمها الخفية للوصول الى أعناق مآربنا فتلك قطرة مما يجب أن نقوم به حتى نقف على أقدامنا مرة أخرى بعد تلك النهضة المنقوصة التي برزت في القرن الماضي وسحبت ذيولها الى هذا القرن. الزمن لن يرحمنا.. وهذه معالم حضارتنا الحديثة التي ستعيش أجيالنا فيها بين جوالات.. وحاملات للكاميرات.. وشبكة عنكبوتية للاتصالات.. وكل ما يسفر عنه العلم مما لا يخطر على بال ولم يمر على أي سؤال. ويا للعرب إذ يقفون الوقفة الصادقة مع أنفسهم وشعوبهم فيخترقون المعجزات.. ويحققون لا النبوءات بل التطلعات التي تسطع فيها شمسنا ولا تغيب أبداً. ويا أيها الغائبون الحاضرون عليكم أن تكونوا حاضرين فعلاً لا غائبين وجوداً وحاضرين حماسة وشراسة. |
|