تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


على أوروبا القيام بواجبها تجاه غزة

‏‏‏‏‏
‏‏‏‏‏
شؤون سياسية‏‏‏‏‏
الاربعاء20-8-2014‏‏‏‏‏
ترجمة ليندا سكوتي‏‏‏‏‏

مرَّت منذ بضعة أيام الذكرى المئوية لحرب كانت من أعتى الحروب شراسة ووحشية على مرِّ مئات السنين التي خلت، ألا وهي الحرب العالمية الأولى،‏‏‏‏

لكن ما نشهده اليوم من أحداث في عصرنا الحاضر (وخاصة في كل من سورية وغزة والعراق وأوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى) يبيّن لنا أن المدنيين هم الضحايا الأكثر في تلك الحروب، منهم الكثير من الأطفال الأبرياء. وفي ضوء هذا الواقع، من غير المسوغ أن نعتبر عمليات القتل والإصابات قد جاءت بشكل عفوي نتيجة للحرب القائمة، بل إن الكثير منها قد تمَّ عن سبق استهداف وتعمد.‏‏‏‏‏‏‏

إن ما قام به الجيش الألماني من استهداف للمدنيين في بلجيكا وفرنسا الذي طال الكثير من الأطفال في شهر آب عام 1914 شكَّل صدمة للشعب والقيادة البريطانية ولشعوب أخرى، الأمر الذي حدا بالكثير من الشباب أن يقدموا على التطوع بمبادرة شخصية منهم حتى إن بريطانيا لم تجد نفسها مضطرة لفتح باب التطوع آنذاك بل استأخرت ذلك حتى عام 1916. وقد كان من بين أولئك الذين أصابهم الشعور بالهلع والفزع إزاء ما تعرض له المدنيون والدتي فيرا بريتين كاتبة مسلسل «شهادة من الشباب» الذي تروي به مذكرات رائعة عن الحرب حيث كان الانتساب إلى جامعة أوكسفورد من أعزِّ أحلام طفولتها وطموحاتها كي تصبح كاتبة في المستقبل، لكن معاناة المدنيين وتصاعد عدد القتلى من الجنود اضطرها للتخلي عن حلمها والتطوع لتصبح ممرضة في المشافي العسكري في بريطانيا ومالطا وفرنسا.‏‏‏‏‏‏‏

لقد وُثقت التقارير التي كانت تصدر بشأن مسار الحرب وعدد القتلى من المدنيين والجنود في عام 1914 في الصحف المحلية والوطنية. لكن الواقع الحالي اختلف عن الأمس حيث نشاهد الصور تُبث على شاشات التلفزة حول أعداد القتلى من الأطفال الرضع ومشاهد الأطفال المذعورين والبيوت المهدمة والشوارع المدمرة كل ذلك يثير الأسى والغضب والرعب في نفوس الجماهير كما وأن العنف الذي نشهده في الوقت الحاضر يجعلنا نقول إن ما تحدث عنه القديس توما الأكويني بشأن «الحرب العادلة» أمر ليس له وجود في وقتنا الحاضر.‏‏‏‏‏‏‏

عندما بدأت الحرب العالمية الأولى أخذت قوانين الحرب وفكرة التمييز الأخلاقي الواضح بين القتلى من الجنود والمدنيين تنهار، وهذا الانهيار استمر خلال القرن المنصرم. وفي غزة اليوم يلقي كل طرف باللائمة على الآخر بشأن قتل المدنيين. ومن الممكن بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية تحديد المسؤول المباشر عمَّا يجري بعد إجراء التحقيقات، لكن ذلك لن يفضي إلى إيجاد حلّ للأزمة القائمة. ففي الوقت الراهن أعرب باراك أوباما عن قلقه إزاء الهجمات الإسرائيلية التي جرت على مدارس الأمم المتحدة المحمية التي تمَّ تحديدها مراراً وتكراراً من قبل الأمم المتحدة باعتبارها ملاذاً أمناً للنازحين المدنيين المذعورين والمهجرين في غزة. وبينما تلقي إسرائيل باللائمة على المقاومة الفلسطينية بشأن شنِّ الهجمات الصاروخية وتعتبر نفسها دولة ديمقراطية تصعد من الوضع الراهن.‏‏‏‏‏‏‏

اعتاد حلفاء الناتو على انتظار مبادرة تتقدم بها الولايات المتحدة في الأزمات الدولية حيث تُتخذ بها الإجراءات العسكرية. بيد أننا نرى غزة في الوقت الحاضر تحتاج للمساعدة أكثر من أي وقت مضى، لذلك يتعين على القادة الأوروبيين اتخاذ موقف يفضي إلى وقف إطلاق النار على أن يتبع هذا الأمر مفاوضات تشارك بها أطراف دولية أخرى ذات تأثير على الأطراف المعنية.‏‏‏‏‏‏‏

على الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الممول الرئيس للسلطة الفلسطينية ممارسة نفوذه عليها والعمل للتَّوصل إلى تسوية بين الطرفين. أما الولايات المتحدة الحليف الرئيس لإسرائيل فقد تعثرت مساعيها نظراً لآراء بعض المشرِّعين الذين يحملون في قرارة أنفسهم دوافع سياسية. وإن كانت ثمة رغبة بأن يسود الهدوء ويتوقف النزاع الذي قد يفضي إلى كارثة في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل فإن الضرورة تستدعي من الاتحاد الأوروبي المبادرة للتدخل ورفع صوته عالياً.‏‏‏‏‏‏‏

إن الفوضى القائمة في الشرق الأوسط وفي جزء كبير من إفريقيا في الوقت الحاضر ليست في واقعها إلا إحدى تداعيات الحرب العالمية الأولى التي أفضت إلى سقوط الإمبراطورية النمساوية المجرية والروسية والعثمانية، وهزيمة الإمبراطورية الألمانية. وما إن انتهت الحرب حتى عمد بعض السياسيين الرفيعي المستوى إلى فرض خارطة على أوروبا والشرق الأوسط آخذين باعتبارهم في المقام الأول مصالح المنتصرين في الحرب. ويبدو أن ثمة قوى كبرى تعمل على إعادة رسم تلك الخارطة، ودون السعي إلى تحقيق تفاهم دولي فإن قوى جديدة ستحاول إثبات وجودها ومرة أخرى سنشهد إطلاق تهديدات سعى جيل والدتي وبذل قصارى جهده للتصدي لها.‏‏‏‏‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية