|
ثقافة
الجارة على الشرفة ومن أبرز فعاليات الرقة الثقافية، وأشهرها والذي استمر لأكثر من ست سنوات حتى قبيل دخول جحافل الصهيونية الوهابية للمدينة، كان مهرجان العجيلي للرواية العربية، التي تُقيمها مديرية الثقافة في المحافظة من جملة مهرجانات ثقافية متنوعة، كل ذلك جعل من هذه المدينة، مدينة مواسم ثقافية طوال العام، في أحد المهرجانات هذه - مهرجان العجيلي للرواية العربية - كان ثمة تنبؤان لافتان حول ملامح واتجاهات الرواية العربية القادمة، الأول كان للروائية شهلا العجيلي، وتتنبأ أن رواية المستقبل العربية، التي ستأتي من الصحراء، وأعالي الجبال، وضفاف الأنهار والشواطىء ستكون سمتها «الرومانتيكية» بقوة بسبب اليباس الذي يلف حياتنا اليوم، والذي ينتج إبداعه الروائي القائم على التناقض، وليس على التكامل كما كان قديماً، فيما تلمس الناقد عبد المالك أشهبون ملامح جماليات «الواقعية الجديدة» التي يبشر بها الكتاب العرب الجدد، ونرى أنه كلا التنبؤين لايبتعدان كثيراً عن الحالة الرومانتيكية التي تشكلها عملية الكتابة بحد ذاتها كحالةٍ رومانسية قد لا تهم سوى الكاتب نفسه، أو مجموعة يشاطرها الكثير من الاهتمامات، ومن ثمّ لم يعد يهمه أن تعرفه «الخيل والليل» بقدر أن تعرفه جارته على الشرفة المقابلة..!
هذه الرومانتيكية، التي تبدو ملامحها ليس في الرواية وحسب، بل حتى في الدراما التلفزيونية، طبعا رغم كل انتكاسة «دراما غرف النوم» ودراما الحارة، التي لطخت الدراما التلفزيونية بدمائها، حتى أن هذه السمة الرومانسية التي توسم أحداث مسلسلات مدبلجة قد يصل عدد حلقاتها لأكثر من ثلاثمئة حلقة، ومع ذلك تجد من يُتابعها بشغف، رغم بساطة الحكاية، فقد استطاعت مثل هذه الأعمال من لفت الانتباه إلى صوت الفرد، وهذا مافعلته الرومانتيكية في بداياتها وقبل أن تصير اتجاهاً في الفن وفي الكتابة، ومن ثمّ يكون لها أقطابها ورموزها..! شباك الفيسبوك اليوم تستطيل ملامح هذه الرومانتيكية في اللوحة، وفي القصة القصيرة، و..أكثر ما تتوفر في النص الشعري، الذي يبرز أكثر ما يبرز في النص المنشور على صفحات التواصل الإجتماعي، هذا النص الذي يلاقي قبولاً واسعاً سواء بالكتابة، أو بالتلقي، بغض االنظر عن جودة النص المنشور، أو سويته، لكن سمته العامة هذه الرومانسية العالية، كصوت مرتفع يعبّر عن صوت الفرد، وحقه في الجمال، وكسلاح يرد به على من يريد قتل الحياة، فيرد عليه بأدب الحياة وكما تأخر ظهور الرومانتيكية في العالم العربي، بدأ مع مطالع القرن العشرين، وجبران خليل جبران - ربما - كان أول ممثليها في إعلان صوت الفرد مع نفحة التمرد، ورغبة الانعتاق من الموروث القديم للجماعة على الصعد كافة، أيضاً كان هذا الظهور قصيراً أي لم يستمر طويلاً، ومن ثمً كان الناس، وحتى الكتاب، الذين داهمتهم قضايا أكثر إلحاحاً أنهم لم يشبعوا من الرومانتيكية، ولم يعيشوها كما يجب، حتى صار أمر عودتها، وإن كان بمظاهر وملامح أخرى بات جلياً لايحتاج لتنبؤات، وصار ضرورياً، ولأكثر من سبب..! حتى في الغرب الذي ننعته بـ «المادي» على الدوام، أو كلما أردنا أن نصفي معه حساب تقصيرنا عن اللحاق بركب الحضارة التي تجاوزنا كثيراً بمراحلها، ثمة نغمة رومانتيكية نتلمسها في الكثير من الإبداعات التي تأتينا من تلك الضفة من العالم، سواء في السينما أو المسرح، وحتى في الكتابة بأنواعها - شعر قصة رواية- رغم كل الثورات التكنولوجية، لازال رومانتيكياً يعشق الأسطورة، ويتعلق بحبالها، أي أن الرومانتيكية لم تفارقه، ولايزال الناس في الغرب أو في الشرق تتفاءل وتتشاءم، تسأل الغيب أسراره في كف اليد، أو قاع فنجان، أو في أطياف الضوء المنعكسة على جدران كرة من الزجاج.. عن هب النسيم لابد لإيقاع الحياة عند الغالبية من البشر، وقد انسجم مع أصوات الطيور، وأجراس الكنائس، وآذان الجوامع، أن يكون له مايعادله في الإبداع أياً كان جنس هذا الإبداع، في السينما، أو في الرواية، و في غيرهما، لأن «الواقع «ليس فقط اللهاث فوق الأرض أو تحتها بحثاً عن لقمة الخبز، بل هناك واقع آخر في أعماق الضمير يهمس للإنسان بلغة الصمت..رغم كل انهار الدماء التي تجري، سيبقى العالم يبحث عن صوت الريح، والمطر ليحارب من خلالها كل قوى الشر التي تقف وتهاجم من ضفة ربعها الخالي.. كيف للمبدع أن يتجاهل أصوات العصافير، وهدير البحر، وصفير الرياح، وهسهسات الشجر، هذه كلها وملايين الإيقاعات في الكون هي موسيقا الوجود، ولايفعل الملحن أكثر مايفعله الروائي أو الشاعر، حين يؤالف بين أصوات الطبيعة، وأصوات البشر، فيعيد صياغتها على نحو جديد..مع أنّ من الظلم أن نقول إن الرومانتيكية قد غابت تماماً عن المنجز الإبداعي العربي، فملامح هذه الرومانتيكية كانت سمة للكثير من هذا النتاج في التشكيل، والمسرح، والسينما، والكتابة على تنوعها..!! ربما البعض ينظر للرومانتيكية كهروب من واقع مرير، أو هو سلاح ضعيف لموجهة قوى العدوان، هذه وجهة نظر، لكن من قال إن المرء لايستطيع أن يأخذ من الضعف قوة..؟! لو سألتموني عن سر قوة مطرب بحجم عبد الحليم حافظ؟ لأجبت، كان سر تلك القوة يكمن في في صوته الضعيف..!! alraee67@gmail.com |
|