تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الراحلون فجأة

معاً على الطريق
الإثنين 16-1-2012
أنيسة عبود

الذين رحلوا.. لم يتركوا لنا عناوينهم.

هل يكفي أن ننظر إلى الأفق لنرى وجوههم تقبل نحونا‏

أم ننظر إلى السماء لنستدل على بيوتهم الجديدة؟‏

الذين رحلوا.. غرفهم فارغة.وعلّاقات ثيابهم تتكئ على عطرهم الحزين.‏

أدراجهم لا تزال مقفلة..ورائحتهم على قبضة الباب‏

لم يخبرونا مواعيد عودتهم، ولا كم يطول الغياب‏

لكننا لا نزال نحلم أن نراهم من خلف النوافذ يقرعون الأجراس ويدخلون.‏

الذين رحلوا ليخضرّ تاريخنا.‏

لم يأخذوا أوراقهم الخاصة، ولا صورهم الشخصية.‏

ولم يخبرونا عن مشاعرهم وهم في هودج الفراق.‏

كأنهم لم يروا قلوبنا تمشي خلفهم من حارة إلى حارة ومن قهر إلى قهر.‏

الذين رحلوا لم يغادروا من بيوت الروح‏

يكفي أن ننظر إلى الأفق لنرى وجوههم‏

أو ننظر إلى الأرض لنشاهد دمهم في خيوط المطر.‏

والمطر؟؟ هطل غزيراً هذا الشتاء..مع ذلك لم يستطع أن يغسل الألم‏

سينبت الورد غداً، ويدل على دمهم‏

سينبت الزمن القديم ويشير إلى دروبهم البعيدة.‏

الراحلون فجأة، يبتعدون ليقتربوا أكثر‏

أيها المسافرون في فيافي الحزن انتظروا قليلاً, قهوة الأمهات على النار‏

.. لا تغادروا في الغسق الأليم.. انتظروا لنضمكم قليلاً.. وقليلاً نشمّ ثيابكم‏

إنها العتبات العالية التي تبكي.. إنها جبال البلاد التي تنحني على دمكم‏

(وإننا لمحزونون على فراقكم)‏

قليل عليكم أن نجمع النجوم وننثرها على جباهكم الأبية‏

قليل أن نسوق البحر ليغسل أقدامكم‏

وقليل على البلاد أن تسور خطاكم بالياسمين‏

فأنتم كثير عديدكم..وفائض على طول البلاد وعرضها صمودكم‏

ونحن قليل علينا أن تهب نسائم الصباح، كل صباح، ولا نقرئكم التحية والسلام.‏

عليكم تنحني البلاد‏

عليكم يميل الكلام.‏

....................‏

الذين رحلوا..‏

هم الذين سافروا وتركوا أصواتهم في الممرات.‏

وهم الذين غابوا من خلف منحنيات المدن والقرى وظهروا في مآقي العيون‏

هم الذين ننتظرهم إلى أن يفنى الزمان.‏

الذين رحلوا..أقصد الذين استشهدوا‏

الذين غادروا أحضاننا إلى أحضان السماء‏

تركوا هواتفهم وأقلامهم..لم يأخذوا ثيابهم الثقيلة ولا أغطيتهم الدافئة‏

هم الذين يكتبون بالدم ويتغطون بعلم البلاد لتبقى البلاد، بلادنا‏

ولتبقى الشآم مركز الكون وأرض حماة الديار (عليكم سلام )‏

أيها الراحلون فجأة‏

الأمهات ينسجن لكم الزمان كنزات وجوارب‏

هل ستأتون.؟.لم تبرد القهوة بعد.‏

هل ستأتون؟ أم نلمّ أغطية الأيام‏

هل تعودون ذات حلم يشق الروح..والروح خلفكم تمشي‏

عودوا قليلاً.. أو اعبروا العتبات لحظة.‏

هل تعودون؟ آه لو ترجعون ويرجع من غيبته الزمان؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية