|
ثقافـــــــة وعادات اجتماعية تنظم بمجملها طرق الموروث الحقيقي للأفراد والمجتمع، دوراً مهماً في غرس القيم والعادات والتقاليد الأصيلة في نفوس أبناء الأمة وتعميق الحس الوطني لديهم.. فالتراث منجز تاريخي لاجتماع إنساني في مختلف الميادين المعمارية والآثارية والفكرية وجزء أساسي من مكونات تاريخ وحضارة وهوية الأمة يكشف عن عراقة هذه الأمة ويوثق تاريخها ليشكل همزة وصل بين الأجيال السابقة واللاحقة. وعلى اعتبار التراث هو الدال الرئيسي على عراقة الشعوب وترسيخ جذورهم في أوطانهم الأصلية اهتمت الدولة ومنذ عقود بإحياء التراث الأصيل من خلال إقامة العديد من المهرجانات والفعاليات والأنشطة الثقافية كرد شعبي يكشف مدى تمسك أبناء الوطن بوحدة أمتهم وسلامة أمنها وتجسيداً لعزتها وقوتها وتماسكها. المهرجانات حيث تأتي المهرجانات لتعرف بتراث أجدادنا وتنبه بنفس الوقت إلى ضرورة التشبث بتراب الوطن ووحدة أراضيه لنكون قادرين على التصدي للمؤامرات والأخطار التي تتعرض لها أوطاننا التي كانت على مر العصور عرضة للطامعين بها من خلال ما شهدته من الكثير من المحاولات الداعية لطمس الهوية العربية والإسلامية ومحو نهجنا الوطني والقومي الذي ينفرد بسمات خاصة وخصوصية إقليمية فضلاً عن نهب خيراتها وتشويه تاريخنا الزاخر بالمخزون الثقافي والفكري والأخلاقي والمعماري. الوحدة الفكرية والوطنية عدا ذلك يشكل التراث مرآة حقيقية تعكس الوحدة الفكرية والوطنية وتعزز روح الانتماء إلى حضن الوطن وعدم التفريط بلحمته الوطنية ونسيجه الاجتماعي المتكامل كان لابد من الحديث مطولاً عن أهميته والدور الذي يلعبه في حفظ الموروث الشعبي عبر الأجيال وترسيخ المبادئ والقيم الوطنية والقومية والارتقاء بالسلوك الحسن وتعزيزه لدى الناشئة وتعميق الحس الوطني عندهم، ولتسليط الضوء على أهمية التراث في تنمية الحس الوطني التقت «الثورة» عدداً من الباحثين المهتمين في قضايا التراث منهم السيد أحمد المسالمة المرجع الموسيقي في شؤون التراث الحوراني الذي أكد أهمية المشاركة بالمهرجانات والاحتفالات الرسمية التي تقام وبشكل دوري على مستوى المحافظات السورية كافة بهدف الحفاظ على التراث الشعبي وتسليم الجيل الجديد رسالة تراثنا بشكل صحيح وكامل لضمان حفظه من الضياع واستمرارية نشره لأنه يساهم وبشكل كبير وفعال في حماية حدود الوطن الذي نعتز بانتمائنا لترابه الغالي. توثيق وقد أشار المسالمة إلى أنه سعى جاهداً ليترك بصمته في تاريخ التراث الشعبي الأصيل ليغني المكتبة السورية والعربية على حد سواء بتدوينه لما يقارب 60 أغنية من أغاني التراث الحوراني من خلال القيام بجولات ميدانية على معظم مدن وبلدات محافظة درعا للقاء كبار السن وجمع كلمات وألحان التراث منهم باعتبارهم المصدر، ليتم توثيقها من قبل منظمة الأمم المتحدة وذلك حفاظاً على هوية الغناء العربي وتوثيقاً لتقاليده الاجتماعية والوطنية والسياسية، حيث شمل التدوين الأغاني الوطنية وأغاني حب الأرض ومراسم عقد الراية «الصلح» وأغاني الأفراح التي تعبر بمضمونها عن الحياة اليومية، فضلاً عن أغاني الدبكات بأنواعها وذلك بمرافقة آلات العزف التراثية كالمجوز والشبابة. الأمثال والحكايات السيد تيسير الفقيه الباحث في جذور الأمثال والحكايات الشعبية قال: تشكل الأمثال والحكايات إضافة جديدة في توثيق التراث الإنساني الجامع لكل القيم الأخلاقية المتجذرة أصلاً في ذاكرتنا وأحاسيسنا الجياشة تجاه حب الوطن والانتماء إليه وعدم التفريط بأي ذرة تراب والدفاع عنه وتقديم التضحيات من أجله، فالتراث جزء لا يتجزأ من التراث الشعبي العربي الذي يتميز بسمات خاصة تؤكد في مغزاها الحكمة والتجربة والانضباط، الأمر الذي يعكس أسس الوحدة الفكرية والثقافية والسياسية في أرجاء الوطن العربي كافة، كما يعكس الهم العربي الواحد إزاء الأزمات التي مرت بها الأمة العربية خلال تاريخها الزاخر بالتراث المتنوع. عدا ذلك لهذه الأمثال والحكايا أهميتها في إعطاء الانطباع الأول لخصوصية هذه المنطقة دون غيرها سواء من حيث اللهجة أم صيغة المثل وتباين مفرداته بين الناس مشكلة بذلك إرثاً جامعاً يعبر في مضمونه عن عناوين قصص وحكايات شعبية تتمثل في الكرم والشهامة والشجاعة والدفاع عن الأرض والعرض وتحث بنفس الوقت على المحبة والوئام وعدم الاقتتال بين أفراد الأمة الواحدة، يؤكد على ذلك المثل القائل «هوش القرايب مثل الحنة عالشوارب» - «اللي من يمك ما بخلا من همك». وبين الفقيه ميزات الأمثال الحورانية قائلاً: إنها أمثال شعبية عامة عبرت بكلام مأثور وموجز عن خلاصة تجربة الناس واحتوت على فلسفة ظاهرة المعنى بأسلوب شعبي سلس سهل للعامة فهمها لتصبح منظومة شعبية متكاملة تتناقلها الأجيال كتشريعات قوية ثابتة تعالج قضايا المجتمع وتنشر فيه الأمانة وحب الأرض. تمتين روابط الودّ والعلاقات الاجتماعية من جهته عرّف السيد ابراهيم الشعابين المثل بقوله: هو عبارة عن كلمات فصيحة موجزة تعبر عن زمان ومكان وشخصيات كانت ملكاً لأصحابها ثم أصبحت ملكاً للمجتمع بعدما اتسمت بالقبول ثم الثبات والتكرار وتحولت إلى العادة ثم العرف وأخيراً القوننة.. فالأمثال الشعبية في حوران ترتبط بتراثنا الثقافي وشخصيتنا وتعتبر دلالة واضحة على حياتنا وطريقة تفكيرنا، وبالتالي تعمل على تمتين روابط الود والعلاقات الاجتماعية لتمثل بذلك التراث الذي هو شخصية وكيان وهوية الأمة والوعاء النابض بروحها والحاضن لثقافتها. لذا يجب علينا التمسك بالتراث في زمن يتجه نحو الحضارة الغربية حديثة المولد نتيجة التطور التكنولوجي الحديث والثورة المعلوماتية التي أدت آثارها إلى اختلاط الأمور بعضها ببعض فأصبحنا عبارة عن متلقين ليس إلا. وأضاف الشعابين: لابد من إيلاء مزيد من الاهتمام بضرورة ترسيخ القاعدة الثقافية وخاصة عندما ندرك آثار الثورة المعلوماتية على التقانة والتواصل مع الآخرين والتوجه نحو الحضارة الغربية حديثة المولد، وكما قال غاندي: أنا أسمح لجميع الرياح أن تهب من نافذة بيتي لكن لا أسمح لأي منها أن يقتلعني. شحن النفوس والهمم السيدان فتحي المقداد وعدنان الكفري أكدا أهمية الأمثال والأهازيج الشعبية في شحن النفوس والهمم لمواجهة أعداء الأمة المتربصين بها للنيل من عزتها وكرامتها واستباحة إرثها الحضاري الموغل في التاريخ، حيث تحث الأمثال الشعبية والأهازيج الوطنية على حب الوطن والانتماء إليه والموت في سبيله كأن نقول: «هذه بلادنا والموت حدا - عالموت ياما مشينا - حنا حماتك وطنا وطنا - خسران يللي تعادينا». والتي تدل في مجملها على التراث الغني الذي يعتبر حصناً منيعاً وخط الدفاع الأول لحفظ هويتنا وخصوصيتها في مواجهة الغزو الفكري والثقافي القادم إلينا عبر وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، عدا ذلك بعض الأمثال والحكم ودورها الإيجابي في الحض على مكارم الأخلاق والشجاعة وأخرى مدسوسة تدل على اليأس والانهزامية. أخيراً إن الأمثال والقصص والحكايا والأهازيج الشعبية بمختلف أنواعها تعطي فكرة عن المجتمع الذي نعيش فيه، وحفاظنا عليه يدل على مكانة التراث بجميع أشكاله في ترسيخ القيم الحقيقية لأواصر المحبة بين أبناء المجتمع الواحد المستهدف من الطامعين بثروات أوطاننا ومخزوننا المعماري والثقافي والتاريخي والمجتمعي، أولئك الطامعون اللذين يريدون له الفناء والاندثار مستغلين فترات الضعف والتشتت التي تمر بها الأمة، لأن التراث هوية الفرد القومية ووعاء وجدانه والرابط الوحيد الذي تنصهر في بوتقته جميع المفاهيم والقيم الإنسانية والأخلاقية والفكرية، فالتراث هو الصلة الوثيقة بين الكيان والفكر اللذين يكونان ثنائية متعددة العلاقات والأساليب الأساسية التي جمعت بين أبناء الأمة لتشكل الارتباط الروحي بينهم ماضياً وحاضراً حيث يكون الاهتمام بالتراث واجباً وطنياً وقومياً من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية والوجود الإنساني الفاعل لهذه الأمة. |
|