تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ظرفاء دمشق (11).. صلاح المحايري (1910-1995)

ساخرة
الخميس 22-9-2011
نصر الدين البحرة

إذا كان فخري البارودي ونجاة قصاب حسن وأحمد الجندي ورجا شربجي من ظرفاء دمشق المعدودين والمعروفين، فإن هناك آخرين ليسوا في شهرة هؤلاء، لكنهم ظرفاء حقيقيون، منهم مثلاً: د. عزت الطباع، محمود الصابوني، نذير قدورة، أبو أيوب الكردي وسواهم.

من هذه الطائفة الاستاذ صلاح المحايري، وكان جاري في حي «القيمرية» حيث أقامت أسرتنا في الخمسينيات من القرن الماضي بعد مغادرة مئذنة الشحم - وجالسته كثيراً في مقهيي البرازيل والكمال الصيفي - كان هناك قرب ساحة المرجة، لصق سينما غازي مقهى كمال شتوي غير أنه تحول إلى دكاكين.‏‏

المحايري رجل الترجمة الفورية‏‏

الاستاذ المحايري تخرج في الجامعة الأميركية بيروت عام 1933 وهذا يعني أنه أتقن اللغة الانكليزية تماماً، حتى إنه كان imterpreter أي - مترجم فوري - لايشق له غبار وقد أمضى حياته حتى تقاعده بين كبار الموظفين في مجلس الوزراء - يوم كان مقره مكان وزارة الداخلية حالياً - ولذلك فإن المسؤولين كانوا يعتمدون عليه في الترجمة لدى استقبال كبار الضيوف ممن يتحدثون بالانكليزية.‏‏

بين نهرو.. والعسلي‏‏

وأخبرني مرة أنه كان يتولى الترجمة (من وإلى) بين رئيس وزراء الهند البانديت جواهر لال نهرو - والد أنديرا غاندي - ورئيس وزراء سورية يومذاك الاستاذ صبري العسلي، وفي تلك الأثناء لدى الحديث عن طيب العلاقة بين البلدين استخدم العسلي عبارة «خوش بوش» فتوقف الاستاذ المحايري والتفت إلى العسلي وسأله:‏‏

هذه كيف نترجمها؟‏‏

فقال: دبرها بمعرفتك.‏‏

الأربعة أشقاء لم يتزوجوا‏‏

كان لصلاح المحايري أخ شقيق هو الصيدلي منير المحايري في «باب البريد» وشقيقتان، والعجيب أن الأربعة لم يتزوجوا، وأمضوا حياتهم في منزل كبير فيه أكثر من عشر غرف واسعة، ولذلك فإنه كان من خفافيش الليل يعشق سهرات النوادي، حيث الصبايا القادمات من أوروبا، خاصة إسبانيا وإيطاليا.‏‏

كان صلاح يتقن الفرنسية في الأصل، لكنه أسرّ لي يوماً أنه تعلم الاسبانية والإيطالية من مجالسة أولئك الحسناوات.. وكان خدينه وزميله في ليالي السهر تلك الشاعر الكبير محمد الحريري الذي أمضى حياته عازباً هو الآخر.‏‏

بين المحايري والرفاعي وسارويان‏‏

في تلك الأيام من خمسينيات القرن الماضي، كانت تصدر في دمشق صحيفة أدبية أسبوعية لم يكن من مثلها في كل سورية تدعى «النقاد» وكان أمين تحريرها الصحفي الكبير سعيد الجزائري، وكل أسبوع كان غسان الرفاعي -الدكتور لاحقاً- يخصها بقصة قصيرة مترجمة عن الكاتب الأميركي أرمني الأصل وليم سارويان، فما إن تصدر «النقاد» حتى يبادر الاستاذ المحايري إلى مقابلة ماترجمه غسان على الأصل الانكليزي.‏‏

وذات مرة وقع على قصة لم يجد لها أصلاً في قصص سارويان، وفتح صلاح المحايري هذا الموضوع في «البرازيل» مع الجزائري الذي لم يكن يدري من الأمر شيئاً، لكنه سأل الرفاعي.‏‏

فأجاب: ياسعيد لقد نفدت قصص سارويان وقد ترجمتها كلها، وأنت تلح عليّ، تريد قصة أخرى.. لسارويان، فماذا أفعل؟ لقد ألفت هذه القصة، حسب أسلوب سارويان تماماً..‏‏

بعد هدم مقهى البرازيل‏‏

في السنوات الأخيرة من حياة صلاح المحايري، وبعد هدم مقهى البرازيل صار من رواد مقهى الكمال الصيفي حيث كنت ألتقيه وكان يأنس لي حتى إنه كان يفضي إلي ببعض همومه العائلية من ذلك مثلاً مسألة العناية بشقيقتيه العليلتين باستمرار وقد تقدمت بهما السن - هما أكبر من صلاح - وهكذا وجدتني أقول له ذات يوم:‏‏

- لدي اقتراح، لحل هذه المشكلة..‏‏

قال:‏‏

- أعدك بأن أصغي إليك جيداً ولكني لاأعد بالعمل باقتراحك.‏‏

قلت: بيتكم كبير جداً، تستطيع أن تبيعه بثمن ممتاز وعندئذ تشتري منزلاً أصغر على قدكم، وتشتري سيارة عليها سائق وتأتي بخادمة تقوم على رعاية شقيقتيك، فترتاح تماماً.‏‏

قال: وعدتك بأن أصغي وقد أصغيت ولكن لن أعمل بنصيحتك.‏‏

وكان رحمه الله من هواة المشي والذهاب إلى أي مكان سيراً على قدميه، وقلما استقل سيارة أو باصاً..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية