تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


معاً في الوطن الواحد

دراسات
الخميس 22-9-2011
بقلم الدكتور فايز عز الدين

حتى اللحظة لم نمرّ- نحن هنا في سورية- على شيء خارج عن سنن التاريخ، وأعراف الحياة السياسية فكل حقبة من الزمان لابد للمجتمع الإنساني عند مسائل محددة قد تكون ناتجة عن الانفجار السكاني

أو عن تفاقم الحاجات وعدم القدرة على الايفاء بمتطلباتها، أو نشوء أزمات إقليمية، أو دولية تلقي بآثارها على داخل البلد المعني، أو حدوث تطورات داخلية تفترض التوجه الجديد نحو التحديث وإغناء ما لابد من إغنائه في مستوى الحياة المعاشية، أو مستوى العلاقات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والحقوقية، والأخلاقية القيمية، حيث إن التطور في حلقة ما من مكونات المجتمع والدولة ينشأ عن ضرورات، وحين ظهوره ينشئ ضروراته الجديدة، وحاجاته.. نعم لابد للمجتمع الإنساني وهو يعبر مابين ضفتين من المرور بما يصل إلى الأزمة بمعانيها الانتقالية، واستحقاقاتها الجديدة بما تتأثر معها قواعد الاستقرار المعروفة، أو طرائق التفكير، والسلوك السياسي المألوفة.‏‏

كل شيء وارد، وممكن وعند حدود احتماله الموضوعية لكن في المنطق الوطني، والعمل الوطني والمصداقية الوطنية حيث إن المنسوب الحيوي للذهنية الوطنية يرتفع في أصعب مراحل الانتقال إلى الحرص على تطور الوطن دون تأخيره عن ذلك، والحرص على بناء الوطن بعقوله، وأدوات إبداعه من مواطنيه، ومفكريه، وخبرائه لابتعريفه إلى مالايتفق مع سيادته، وحق تقرير مصيره إلى أن يصبح لعبة الأمم وجعل أشكال انتقاله مرهونة بمصالح العوامل الخارجية المتدخلة فيه، وماحدث في الوطن العربي من العراق حتى ليبيا يقدم لنا الدليل على أننا مهما اختلفنا داخل الوطن الواحد تبقى عوامل التلاقي، والعمل المشترك، والآفاق التطويرية مؤاتية، لكن إذا ما أصبحنا جميعاً في عهدة الخارج المعروف فتصبح مصالح المشروع الغربي والمشروع الصهيوني، والأحلام المشتركة لهما في حكم بلادنا، وتوزيعنا إلى كانتونات اجتماعية أو دينية هي الأعلى، وهي صاحبة الأولوية حين يفقد الوطن دولته، وسيادة شعبه على أرضه ومقدراته.‏‏

والحال ماثل أمامنا في الجنون على تقاسم الكعكة الليبية، وعدم الاكتراث بكيف نعيد تركيب الدولة الواحدة للشعب الليبي هذا إذا سمحوا بأن تعود ليبيا إلى دولة واحدة خاصة وهم المصممون البارعون للدساتير الاتحادية وقد لاتقف عند الفيدرالية، بل يمكن أن يصلوا بها إلى الكونفدرالية طالما أن وحدة الأرض، والشعب لاتهمهم، ولايتحمسون لها.‏‏

هذا هو التطور نحو الحرية في عرف الغرب المتصهين، وهذه هي الديمقراطية التمزيقية للوطن الواحد الموحد.‏‏

ومن غريب الحال نحن لانفيد من الدرس الاستعماري منذ خذلنا مكماهون، وخذلنا تشرشل، ومن ثم خذلنا كل الرؤساء الأميركان وثبتوا الوجود الصهيوني على أرض فلسطين العربية، وساهموا بحروبه العدوانية على الدول العربية المحيطة واحتلال أراضِ منها عام 1967 بما يزيد عن مساحة ما احتلوه من أرض فلسطين ثلاثة أضعاف، ومن غريب الحال أن يعود من على رأس بعض الدول، والدويلات العربية إلى توزيعنا من جديد إلى مناذرة يحالفون الساسانيين، وغساسنة يحالفون الروم البيزنطيين، وكأن العرب حرام عليهم أن يكون لهم كيانهم المستقل، أو أن تكون لهم سيادة من منظور عربي ومن مصالح عربية، وآفاق عربية بأن يتولوا إدارة دولهم المقسمة، أو أن يحققوا الدولة الأمة، أو الأمة الدولة كما حققته أمم الأرض الموجودة في دولة أمة.‏‏

إن مايحزننا، ويثير المزيد من الدهشة حين نرى مثقفاً من مريدي المزيد من الحرية لايجد في قواه الوطنية أي إمكانية للوصول إلى ذلك، وكأن اللاشعور المذعن يحركه دوماً إلى الانتداب عليه من جديد من عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918 حين أقرت مبدأ انتداب الدول الاستعمارية على العرب.‏‏

وحين نجد من يبرز تمزيق الوطن ويدعيه الطريق الوحيد للخلاص الفردي له، وحين لايفكر إذا قارب بمثل هذه الأفكار الموقف الأميركي الأوروبي الصهيوني من بلده، وحين لايهتم بوحدة الوطن والشعب.‏‏

إن ماقد حصل ومازال يحصل على طريق التحول في بلدنا نحو المزيد من توسيع الفضاء الديمقراطي، والدستورية في الدولة، والتعددية في السياسة والاقتصاد، والتداولية في نموذج السلطة يدعو الجميع إلى التلاقي على الحوار الوطني كمنهج جامع، وأسلوب موصل إلى الرؤى المشتركة، والأولويات المتوافق عليها، أما أن نقف في الزاوية التي لاتتفاعل مع الوطن الطامح، ونستدعي من يحمينا من الخارج، أو ينقذنا من ادعاء غير موجود فنكون قد أظهرنا حقيقة أننا لانحب العمل الوطني المشترك، بل نحب أن يشاركنا الأجنبي في وطننا ليدمر مابنيناه، ويعيدنا إلى عبيده، وفرض علينا مشاريع إسرائيل ومشاريعه التحكمية.‏‏

وبناء عليه تتجدد دعوة المواطنة المخلصة لجميع المواطنين بأن الوجوب اليوم هوأن نكون معاً في الوطن الواحد ولابديل.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية