|
شؤون سياسية أن إعلان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي قبل أسابيع قليلة حول ضرورة الحوار مع الحركة جدي, وأن عملية البحث في آليات تنفيذه, قد بدأت أيضاً, هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الحركة رفضها أي مفاوضات قبيل انسحاب قوات الاحتلال من أفغانستان والتوافق المسبق على طبيعة هذا الحوار وأهدافه أيضاً. بداية تجدر الإشارة إلى لقاءات, عقدت منذ سنوات, أطلسية, أفغانية, وبضمنها دول الجوار مع رموز مناطقية ومحلية للحركة, التي وصفت أنذاك بالمعتدلة تارة, أو غير التشدة تارة أخرى, لم تؤد بمجموعها إلى توافق, أو نتائج أولية بين أطراف هذه اللقاءات. وتجدر الإشارة أيضاً, إلى أن هناك تفهماً واسعاً, من قبل دول الجوار الأفغاني, كذلك الأطلسي لضرورات بدء هذا الحوار مع المعارضة الأفغانية ومن بضمنها حركة طالبان, ولا نغفل هنا ممثلي الأمم المتحدة ومبعوثيها إلى أفغانستان, وتصريحاتهم المشجعة للحوار مع طالبان أو تصريحات القيادات العسكرية الأميركية (الجنرال ديفيد بتراوس قائد القيادة الأميركية الوسطى, والجنرال مايكل مولين رئيس هيئة الأركان... الخ) ويؤكد هذا التحول, من الرفض الأفغاني الرسمي - والأطلسي .. الخ , الحوار مع الإرهابيين وضرورة اجتثاثهم إلى مناشدتهم الجلوس حول طاولة مفاوضات عدد من المتغيرات منها: - أفغانياً: 1- فشل كرزاي وحكومته في القضاء على المعارضة الأفغانية باتجاهاتها وتلاوينها المختلفة (طالبان, الحزب الإسلامي.. الخ), لابل إقراراه مؤخراً بهذا الفشل وعدم قدرته على حسم الوضع عسكرياً. 2- تصاعد حدة العمليات العسكرية للمعارضة الأفغانية وصولاً إلى تحكمها عملياً بمناطق واسعة من الأراضي الأفغانية, وبسط سيطرتها (المؤقتة) تفادياً لمواجهات مباشرة ودائمة مع قوات الأطلسي, على عدد من المدن الأفغانية, وتوجيهها ضربات مؤلمة في العاصمة كابول. 3- تعقيدات الوضع الداخلي الأفغاني (الديمغرافي, السياسي, القبائلي), الذي لم تستطع حكومة كرزاي حله, وامتداداته في دول الجوار الأفغاني. - الجوار الأفغاني: الذي يعاني من تداعيات الوضع الأفغاني, وفي المقدمة باكستان (وهذا ما تؤكده الاشتباكات الداخلية, وخاصة في المناطق الحدودية, والقصف الأميركي المتكرر لهذه المناطق الباكستانية في الأونة الأخيرة, وتحديداً منذ رحيل الرئيس السابق برويز مشرف). كذلك الانعكاسات السلبية لتفاعلات الوضع الأفغاني على دول آسيا الوسطى التي يتقاطع تركيبها الديمغرافي مع الموزاييك الداخلي الأفغاني وخشية حكوماتها من اتساع قبعات الصراع )الداخلي( الأفغاني. - أطلسياً: ويتلخص في تباين مواقف دوله الذي برز خصوصاً في: (قمة الأطلسي في بوخارست في نيسان الماضي, واجتماع وزراء دفاع الحلف في بودابست في تشرين الأول الماضي) من دعوات الإدارة الأميركية الرسمية إلى زيادة عديد قوات الاحتلال (نذكر مجدداً أنها تأتي خلافاً لتوصيات القادة العسكريين حول إمكانية الحسم العسكري, كذلك الوثيقة )السرية( التي نشرت مؤخراً في )وول ستريت جورنال( حول فشل الحسم العسكري ), ورفضه عدد من الدول الأخرى إرسال قواتها إلى مناطق الاشتباكات, أو مطالبة عدد منها بتحديد موعد زمني لوجودها العسكري, وامتناع عدد أخر من مجرد إرسال قوات عسكرية إلى أفغانستان والاكتفاء بتقديم المساعدة اللوجيستية أو المادية. - دولياً: ويتجلى في الاختلاف الآخذ في الاتساع حول الأهداف الحقيقية الأميركية لغزو أفغانستان, وخاصة بعيد محاولات أميركا التمدد في دول آسيا الوسطى (السوفييتية سابقاً) وصولاً إلى منابع النفط, وإلى القفقاس الروسي وخاصة جيورجيا وأحداث آب الماضي فيها. وتغير مواقف العديد من هذه الدول المجاورة من مسألة القواعد العسكرية الأميركية (المؤقتة) والوجود العسكري الأميركي عموماً. هذه العوامل وغيرها أيضاً, دفعت بحكومتي أفغانستان وباكستان إلى مباركة, وتسهيل عقد اجتماع (لويا جيرغا) الباكستاني - الأفغاني المشترك قبل أيام قليلة, الذي أقر أعضاؤه (زعماء القبائل) بوضوح ضرورة محاورة حركة طالبان مباشرة, ودعوتها إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات بهدف الوصول إلى حل للأوضاع في أفغانستان (يشار هنا إلى أن الاجتماع الأخير المشترك لمجلس لويا جيرغا عقد في كابول قبل عامين, وأن دعوته الحالية لمفاوضات طالبان تشكل تأييداً قبائلياً لما جرى الإعلان عنه رسمياً في أفغانستان مؤخراً). وإن لويا جيرغا بصدد بحث آلية هذه المفاوضات التي يشير المراقبون إلى أنها ستكون برعاية رئاسية باكستانية ومشاركة أميركية إلى جانب طرفي الصراع الحكومة الأفغانية والمعارضة بتلاوينها. التقديرات ترجح ألا يتحدد موقف البيت الأبيض رسمياً من الحوار وتوقيت بدئه قبيل نتائج الانتخابات الأميركية, وتشكيل الإدارة الأميركية الجديدة, كذلك أن تطول الاتصالات حول الإعلان عن البدء في هذه العملية, هذا في الوقت الذي تدرك فيه المعارضة الأفغانية عمق المأزق الذي تعانيه حكومة كرزاي وقوات الأطلسي, ولذلك تطرح شروطاً متشددة وفي مقدمتها رحيل قوات الاحتلال. يهمنا أن نشير هنا إلى أهمية هذا التحول في الموقف الأميركي, من ضرورة القضاء على المعارضة الأفغانية (بغض النظر عن رأينا في تركيبتها وطبيعتها وبرامجها) إلى محاورتها. وهل سيقتصر هذا التحول على أفغانستان وحدها, أم أنه سيمتد إلى مناطق أخرى? وهل تعود أسبابه إلى الفشل في الحسم العسكري وإلى الخسائر الكبيرة اليومية? وانعكاساته على المعارضات المسلحة في مناطق أخرى. أم إن القائمين على هذا التوجه يؤيدون هذا التحول بهدف الالتفات إلى التحديات الكبرى مع المنافسين الرئيسيين روسيا, الصين, فضلاً عن التباينات مع الاتحاد الأوروبي? |
|