|
شؤون سياسية والثاني لبناني يمكن ترجمته بالرفض مع اختلاف في الأسباب يكاد ينقسم إلى نوعين آخرين من ردود الفعل, رفض مبني على التشكيك والخوف والحذر والعودة إلى الوراء والرعب مما فعلت الأيدي والألسن , وتجهيز الحقائب يترجم بزيارات كثيرة للسفارات والاستفسارات اليومية المتتالية والعلنية, وتشذيب الخطاب والتمسك بكل ما يمد الجسور نحو دمشق التي ما انقطعت في بسمتها وتدوير الزوايا وتنظيف الماضي وتبرير التغير والتحول, لأنه من مستلزمات العمل السياسي , ناسفين بذلك أبسط أنواع الأخلاق والمبادئ والأصول والأعراف ومعممين أعرافاً جديدة في السياسة لم يكتب عنها ميكيافيللي من قبل , وتفجر مجمل الأسس والأهداف التي من أجلها أنشئت المدارس وبذرت العائلات كخلايا لصلاح المجتمعات وصولاً إلى الحضارات. هل نبالغ إن قلنا إن مرسوم العلاقات الدبلوماسية, هزّ جذور لبنان وأحدث بعض دوخة وتعرية في السياسة لا يعرفها سوى من يعيشها ويخالطها هذه الأيام. مقابل هذا الرفض العارم للمرسوم ممن نخروا جلد الغرب وعظمه وجمجمته مطالبين بإصداره في الأمس القريب وجعلوه يشعر وكأن لبنان هو مهد الأنبياء والخير وبأن سورية مهد الشر, هناك النوع الناصع الثاني من الرافضين للمرسوم وهؤلاء يستعجلون الحكم أيضاً وقد لا يخبرون مفاعيله. ومنهم من يغص بقرار إقامة هذه العلاقات الدبلوماسية التي تفترض هندسة الانتماء وتقنينه في الدم والجغرافية والتاريخ والنضال والعروبة واللغة ووشائج القربى والزمان بماضيه وحاضره ومره وحلوه, وهنا سؤال شخصي أول معبر أفضله على ألوف الأسئلة اليومية المطروحة في البيوت والمقاهي وكل الأمكنة في لبنان اليوم: من يدخل بيني وبين كوليت الخوري, مثلاً, ابنة عمي الأديبة ومستشارة السيد الرئيس والسياسية التي استقبلت بعض أديبات العرب هذا الأسبوع في دمشق? من يرفع الحدود بين الدم والدم في زمن أميركي تسقط فيه كل الحدود واجتازت فيه أميركا كدولة عظمى كل الحدود في الضغط والحصار وتحريض اللبنانيين وبعض العرب على سورية من ناحية كما اجتازت فيه كل الحدود الدبلوماسية حيث تحول الدبلوماسي مقرراً ومحرضاً ومخططاً لرجال الدولة أو زعمائها بصرف النظر عن الأعراف الديبلوماسية وعن اتفاقيات فيينا في أصول العرف الديبلوماسي وغيره? الجواب لا أحد حتماً, فالشخصي وطني حتى عندما يتداخل الشخصي بالوطني هنا, فهو مثل تداخل السكر بالماء أيضاً, خصوصاً عندما تكون الهامات مثل كوليت تنزع أسماءها وألقابها وتزرع مكانها عاصمتها دمشق ,بوصلة السياسة والشعر والأدب ودبلوماسية القمح جاهزة مثل السيف في اللسان والسلوك في المجاهرة وفي الوشوشات العائلية. لا فرق بين خوري وخوري سوى بوفائه لقوله ومواقفه التي لا تخرج إلا من رحم القناعات, أي المنعة والوفاء ومواقف الرجال, الرجال أكوليت هي السكر أم هي الماء? لنقل بأنها السكر ويتكفل بردى بالباقي, أضيف إليه ثلثي إن عطش وهو الآن في دمشق ماءً رقراقاً كما أَضيف ثلثي الباقي إن تعثر, كم أحب كوليت عندما تحكي عن دمشق في صالونها العتيق العابق بسياسة حافظ الأسد ووزنه واتزانه ودمغه للتاريخ, كما بتاريخ فارس الخوري وشعره ودخانه أشمه وكأنه الآن ومنه تعبق حكمة دمشق وصبرها, العاصمة التي توقظ العالم قبل الضوء كي تتكلم معه في السياسة والأدب والأخلاق والكرامة والحقوق العربية وفلسطين ولبنان والعراق والعدالة والمساواة. إنه زمن حافل بالصور تصطف في الشاشات . أين نحن في مقاييس الزعامات الآنية الجاهزة من هيبة تلك الصور الأبدية في ألقها الوطني ولو كانت فوق الجدران العتيقة التي صارت مثل بعض وجوه زعمائنا بحاجة إلى طرش أو انسحاب من الواقع. السؤال الثاني: كيف سنتعود, قال فلاح على لبس القفازات العربية عند التعامل فيما بين الدولتين والشعبين والرئيسين وكل ما له علاقة بالياء والنون حيث الشعب واحد, في دولتين والبشرية واحدة في داخل كرة واحدة قال مفكر آخر وأساساً صرخ عامل زراعي ثالث إن كلمة الدبلوماسية هي من موروثات القناصل والسفراء سائلاً من على الشاشة: (إيش يعني دبلوماسية) ومن يفصل بين الزهرة وعطرها أو بينها وبين ثمرتها أو بين الثمرة والبذرة أو بين عشبة من هنا أو عشبة من هناك. هناك تداخل في الأرض والماء والسماء فالزراعة في الهرمل والقاع وعشرات القرى تتشابك الكتف على الكتف وهي لم يسمع بها لبنان الرسمي ولا الدبلوماسي ولم تكن تعرف الكهرباء ولا المياه ولا الحاجيات أو الأسواق اللبنانية ولا المدارس إلا من على شاشات التلفزيون, وكي لا نسأل مع أولاد القرى المتداخلة: أين الماء والكهرباء في العاصمة التي تنام فوق ستة آلاف سنة حضارة? قد يكون ابن القاع محقاً لأن لا مصطلحاً يرادف الدبلوماسية في اللغة العربية غير تعريبها بالديبلوماسية منذ أن وزع سايكس وبيكو أراضي المنطقة فوق فراش الرجل المريض التركي بعد الحرب. لقد رأت فرنسا رسمياً في مرسوم الرئيس الأسد وعلى لسان رئيسها نيكولاي ساركوزي أن سورية دولة وفية وموزونة وتحترم مواقفها وكلمتها وهذا ما يرجع بي إلى 26 تشرين الثاني 1984 حيث أنبش كلاماً للرئيس فرنسوا ميتران خاطب به الرئيس حافظ الأسد بقوله: (لا يكتمل أمر فعلاً في الشرق الأدنى والأوسط من دون سورية أي من دون اشتراككم وبما أن السلام في هذه المنطقة من العالم هو الضلع الأساسي للسلام في العالم فإننا ندرك إلى أي مدى يفترض أن يلعب بلدكم الدور الحاسم في هذا المجال ويصح القول إن سورية هي المفتاح وهي الحل في لبنان والشرق الأوسط). أنبش كلاماً لفرنسوا ميتران في زمن كنت مقيماً فيه في باريس وأنبش معه كلاماً كتبه ميشال دويبي وهو صديق فرنسي قديم لي كما الكاتب السوري عبد الكريم حسن وموسى الزعبي وآخرون من لبنان وسورية وفرنسا لم تفرّقنا الكرامة قط قائلاً: (كل معرفة بالعالم لا بد وأن تمر وتنضج على نار الحكمة السورية ولأن من يتلمس سياسة الشرق خارج الإرادة السورية يحرق أكثر من أصابعه). هذا المرسوم البشارة الذي دوّخ وأحزن اللبنانيين الذين ينزلق لسانهم قبلهم إن نطقوا دليل على التوازن السياسي السوري الذي هو أبلغ بكثير من الاعتدال والمسايرة لأنه يفترض نوعاً من الحكمة والتعقل والمعاندة حيال الممارسات السياسية الغربية لا بل يفترض أحياناً من رؤساء الدول كما يفعل الرئيس الدكتور بشار الأسد وكما قبله فعل الرئيس حافظ الأسد, لا الرقص فوق حد السيف كما يعبر الإعلاميون بل السير بثبات وثقة واحترام للذات فوق هذا الحد أحياناً ولو كانت طائرات العالم ومدافعه وأسلحته الذرية كلّها مصوبة نحو صدرك وإلا ما معنى الدولة في العلوم السياسية وما معنى كلام ساركوزي وميتران وكل الكلام الذي نسمعه اليوم عن دور سورية? حتماً, لا تستطيع سورية أن تشتري مواقف وليس لديها المال اللازم أو القناعة لذلك. فالتوازن المتوازن بين الحدة والصمت والاعتدال يؤدي إلى المهابة والاحترام وحسب الحساب للآخر ولو آلت العلاقات إلى مصالح وتبادلات بين الدول في نهاية المطاف تكون النكهة والمحصلة مختلفة كما تكون الكرسي المخصص لممثلي الدولة في المحافل والأدمغة مختلفاً أيضاً. حيال مرسوم العلاقات الدبلوماسية الذي كشف اللبنانيين مجدداً ليتنا نجعل الهرمل والقاع مقصداً لزعمائنا والسياسيين لا للنزهة بسبب وعورة الطرقات بل للتعرف على وطننا لبنان ,لنعرف أكثر متى نتكلم ومتى نصمت ونصون ألسنتنا وأوطاننا. سؤال أخير: من يحدد عدد (السفراء) بين البلدين? أخشى من الارتجال فقد يتجاوز العدد العشرين مليون سفير في البلدين يلبسون الفقر والكرامة والوطنية وحب الأرض لا القفازات البيضاء ولا التمنطق والتصنع والتآمر, فالنوائب كما قال الرئيس حافظ الأسد (ليست شخصية بل تلك التي تصيب الوطن ولو كان الأمر لا يتعلق بقضية عامة لفضلت ألف مرة أن أجلس يومياً ساعات طويلة على تراب الأرض في أي قرية من قرى الوطن لأن جلسة بين سنابل القمح وعلى بيادر الزرع تساوي في نظري كل قصور هذه الأرض) حتى وإن كان يتنقل بينها سفراء الدنيا. فاجتهدي أيتها الدبلوماسية نحو التعلم في القاع والبقاع!. كاتب وأستاذ جامعي Drnassim@hotmail.com Nassim.khoury@gmail.com ">لبناني Drnassim@hotmail.com Nassim.khoury@gmail.com |
|