|
المهرجان السينمائي إذا.. اعرف أولا من هو أنت.. لايبدو فيلم (سوناتا طوكيو) للوهلة الأولى معنيا بإلقاء برعم سؤال من نوع.. تعّرف على ذاتك .اعرفها جيدا واختبرها في العمق ثم فتش على أناك المهدورة غدرا بين ذوات الآخرين.. وأعد انتشالها من قعر ذاتك قبل ذواتهم.. وحتما قبل فوات الأوان.. عبر خطوط درامية بسيطة عدة تتفرع ثم تعود لتلتقي بحكاية عائلة السيد ( ريوهي ساساكي) تبنى حبكة ( سوناتا طوكيو) سيناريو وإخراج كيوشي كوروساوا الفيلم الياباني الذي سجل الدخول الرسمي لليابان في مهرجان كان السينمائي 2008 م. فعبارة ( لا يمكنك أن تكون إلا ما أنت عليه) تأتي على لسان الزوجة ( الأم ميغومي) في ظرف يبعدها عن أسرتها إلا أنها تنطقها كما لو كانت تتقصد قولها لكل فرد من أفراد هذه الأسرة وربما أرادت أن تتوجه بها لنفسها قبلهم.. فهل عرف كل منهم من هو .. وماذا يريد? على ما يبدو أن الإنسان لايدرك حقيقته ولا تتكشف له خبايا نفسه إلا في الأزمات.. هكذا سنرى أن فقدان الأب ( ساساكي) عمله سيؤثر على أوضاع أفراد عائلته.. وكيف أن العامل الاقتصادي سيؤدي بشكل أو بآخر إلى كشف أمور عديدة ظاهريا وداخليا, على صعيد علاقات أفراد الأسرة مع بعضهم وعلى صعيد الحالة النفسية الداخلية لكل منهم.. وهنا يتكشف صراع بينهم من نوع خاص.. صراع الرغبات والإرادات.. إنه الاختلاف ما بين الأجيال.. اختلاف طرائق التفكير الكائن بين الأهل والأبناء. شيئا فشيئا تتعقد الأمور بين الجميع.. إذ إن الأب يستمر في خدعته (كذبته) يوهمهم أنه ماض إلى عمله بينما هو ذاهب إلى مراكز التوظيف.. الابن الأكبر يرغب في الانضمام إلى الجيش الاميركي تحقيقا للسلام, لأنه يعتقد أن اميركا هي دائما على صواب. والأم تلك العارفة بحقيقة وضع زوجها الوظيفي المدركة لخدعته لكن الصامتة ( كيلا يفقد سلطته كرب البيت) كيلا يخسر قدرته على حماية أفراد الأسرة ولو ظاهريا.. وعلى مايبدو أنهم, وكما يتوضح لنا من خلال حواراته مع أبنائه أدركوا فقدانه لها. و على الرغم من ذلك يستمر الجميع في التظاهر بأن شيئا لم يكن وصولا إلى ذروة الأحداث المتمثلة بمشهد رؤية الزوجة- الأم ميغومي لزوجها ساساكي وهو يرتدي زي عامل النظافة إنه يعمل أجير تنظيفات سرا, بعد ما كان رجل أعمال. عند هذا الحد من الحكاية تنفلش خيوط اللعبة التي حاول الزوج- الأب الامساك بها, لتبدو الأسرة وقد وصلت إلى أوج تشتتها. وعلى هذا سيوهمنا المخرج أن الأمور آلت إلى نهايات مأساوية. سلسلة من فوضى العلاقات وسوداوية الأحداث قد تصادف أي أسرة يعرضها المخرج ( كوروساوا ) في فيلمه هذا بكل سلاسة ورشاقة, فلاتعقيد في الأسلوب المتبع لسرد القصة, هناك التصاعد المنطقي للأحداث ينتهي بأن تتحلحل أزمات الجميع.. يومئ بذلك المشهد الختامي, يظهر فيه الابن الصغير وهو يعزف على البيانو, إنها معزوفته الخاصة التي يدهش بها الجميع وحتى والديه.. اشارة إلى استمرار الحياة بكل ما فيها من أسود وأبيض, على هذا النحو سيكون الأب قادرا على البدء مرة أخرى وستعود الأم من مغامرة طيشها مع ذلك اللص الذي اقتحم عليها البيت, وكأنما قامت بنوع من تفريغ شحنات غضبها ومارست خلقا جديدا... بداية جديدة عبر استلقائها في مياه البحر. وكما التقط ( كوروساوا) ثيمة لفيلمه ذات أبعاد إنسانية عامة, تحسن عين كاميراه التقاط المشاهد التي يرغب بخفة عالية لا تتشبت هذه الكاميرا بترف بصري عال إنها تنقل لقطات الحياة اليومية العادية دون أي مبالغة فلا مجانية على المستوى البصري. القالب العام الذي سيقت فيه حكاية الفيلم حرر الموضوعة المطروحة من أي ثقل ولهذا تبث فيه بعض من ( التاتشات) الكوميدية الملطفة والمقدمة في إطار يعتمد المفارقة الحية الواقعية.. وعلى الرغم من أن النهاية تبدو سعيدة إلا أن ( كوروساوا) ينجح بالتحرر من هذا المطب بأن يلجأ إلى شيء من التوازي برسم نهاية مصائر شخصياته.. ففي الوقت الذي يكون فيه الموت هو نصيب أسرة (كوروسو) صديق ( ساساكي), لأنها على ما يبدو تصل إلى طريق مسدود في معالجة أزمتها تحسن أسرة ساساكي تجاوزها. وكما لو أن كلا منهم استطاع البدء من جديد, واكتشف حقيقة ما يريد وما هو عليه. |
|