|
شؤون سياسية أو ما يسمى توسيع مجلس الأمن الدولي ليضم إلى عضويته قوى دولية ناشئة ذات ثقل بشري واقتصادي وهي قضية مطروحة منذ وقت طويل وما زالت بين أخذ ورد بين الدول المهيمنة على قرارات الأمم المتحدة وخاصة الولايات المتحدة الأميركية التي تتعامل مع المنظمة الدولية وكأنها مؤسسة أو كيان تابع لها. كما يضاف إلى قضية إصلاح المنظمة الدولية جملة قضايا أخرى منها ما يتعلق بالاحتباس الحراري لكوكب الأرض، وسبل تحسين الوقاية من الكوارث الطبيعية التي يتعرض لها كوكبنا، والاستجابة السريعة لها وخاصة بعد الموجة غير المسبوقة من الكوارث التي وقعت في السنوات الأخيرة، كذلك ملف الفقر والمجاعة التي تحاصر نحو مليار إنسان في مناطق متفرقة، وموضوع التنمية المستدامة أو ما يسمى بالرخاء العالمي، إضافة إلى ملف الحروب والنزاعات والاضطرابات التي تشهدها العديد من مناطق العالم، كما قد لا يكون بعيداً عن النقاشات والكلمات التي ستلقى على منبر الجمعية العمومية تأثير الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم على كافة الملفات الأخرى. فمن المعروف أن الأمم المتحدة قامت على أنقاض ما كان يسمى عصبة الأمم بغرض تجنيب العالم كارثة حرب عالمية ثالثة، إلا أن النقائص والعيوب الموجودة حاليا في بنية الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن بالذات أدت إلى إضعاف هذه الهيئة الدولية وإنقاص هيبتها وتضاؤل ثقة شعوب العالم بأدائها ودورها وذلك بفعل السطوة الأميركية والغربية على قرارات الأمم المتحدة، وما لم تتحد دول العالم وتتكاتف في وجه هذه السطوة وتضع حداً لتفرد بعض الدول الكبرى فسيشهد العالم المزيد من الحروب والنزاعات الدموية التي لا تقل هولاً عن الحربين السابقتين، عدا حروب دائرة حاليا ما كان لمعظمها أن يقع لولا فائض القوة والغطرسة التي تشعر بها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية التي تدور في فلكها. ففي كثير من الأحيان تستخدم الأمم المتحدة كغطاء لتبرير شن الحروب كما حدث عام2001 عندما شرعنت المنظمة الدولية غزو أفغانستان في الوقت، الذي يقع على عاتقها مسؤولية منع الحروب وفض النزاعات وحفظ الأمن والسلم الدوليين، وهذا السيناريو تكرر خلال العام الجاري عندما استغلت واشنطن وبعض حليفاتها الغربيات الأزمة الليبية لتشكيل تحالف استعماري من بوابة مجلس الأمن لضرب ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين الذين قتل منهم حلف الناتو أضعاف ما كان متوقعا أن يقتل لو قام الليبيون بحل أزمتهم بأنفسهم. وفي أحيان أخرى لا تتحرج واشنطن في الخروج على الشرعية الدولية وعلى الأمم المتحدة إذا ما وجدت معارضة دولية لطموحاتها الاستعمارية في مجلس الأمن كما جرى في العراق عام 2003 عندما قامت بالاشتراك مع بريطانيا بغزو العراق، وكلنا يتذكر أن قرار الغزو جاء رغماً عن مجلس الأمن، ومع ذلك استخدم المجلس في وقت لاحق لإعطاء الشرعية للغزو الأميركي للعراق بأثر رجعي حين تعامل معه كأمر واقع ليعيد ترتيب الأدوار في العراق بما يسمح للاحتلال بلعب دور أوسع في الشأن العراقي، ولم يتعامل المجلس مع الغزو كجريمة عدوان يحاسب القانون الدولي مرتكبيها، الأمر الذي أفقد هذا المجلس هيبته ومصداقيته وشرعيته، كونه غطى جريمة جديدة لبوش بدلا من أن يمنع تكرارها، فأصبح حاله كحال الجمعية العمومية.. قرارات لاتساوي ثمن الحبر الذي تكتب به. إن الحديث عن توسيع عضوية مجلس الأمن في ذات الظروف التي يمر بها العالم يوفر الغطاء وبأثر رجعي لخرق فادح للأمن العالمي، فاستحداث مقاعد دائمة جديدة لقوى مالية واقتصادية وعسكرية مرتبطة أو تابعة لواشنطن كاليابان وألمانيا، وهي قوى استعمارية قديمة بدأت تستعيد نفوذها الامبراطوري خارج حدودها القطرية سيكرس مبدأ مغايراً لكل مبادئ الأمم المتحدة، وهو العودة لحال الإمبراطوريات الاستعمارية التي وسمت القرون السابقة على حساب مبادئ الديمقراطية في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وسيادة الدول والحفاظ على السلم العالمي، فوجود مثل هذه الدول في مجلس الأمن بصورة دائمة سيقوي واشنطن ولن يكون في مصلحة فقراء العالم ودوله النامية. فالإصلاح الذي تقرره الثماني الكبار أو الدول الصناعية ومن يدور في فلكها كدول الاتحاد الأوروبي التي تريد أن تزيد من حصتها في القرارات الدولية والصفقات المشبوهة هو أشبه بالصراع بين أمراء وملوك الاقطاع على أراضي وممتلكات الآخرين، فهذه الدول ورغم أنها تعيش ديمقراطية داخلية لكنها تمثل أعلى درجات الديكتاتورية حين تتعامل مع الشعوب والدول المستضعفة والفقيرة. ولذلك يجب النظر إلى الإصلاح الذي تطالب به الدول الغربية أو تدعمه على أنه مرحلة جديدة من مراحل إفساد المنظمة الدولية، لأن مبدأ الديمقراطية غير سائد في العلاقات الدولية حاليا، وعليه لا يمكن للأمم المتحدة أن تصلح ما أفسدته الولايات المتحدة خلال 66 عاما من إنشائها، فالإصلاح بحاجة لإرادة دولية جامعة تنطلق من مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وتستند إلى المبادئ الأساسية التي يتكون منها ميثاق الأمم المتحدة وهي المبادئ التي من أجلها قامت هذه المنظمة. إن المعايير التي تقوم عليها سياسة الأمم المتحدة حاليا بعيدة كل البعد عن ميثاقها بحيث باتت لا علاقة لها بالأمن أو السلم أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان في العالم، لأن القوى النافذة فيها والتي تتلاعب بمصير العالم أشبه بتكتل امبراطوريات استعمارية تتقاسم فيما بينها أراضي وثروات الشعوب بمعزل عن مبادئ وميثاق الأمم المتحدة، وما الأمين العام لهذه المنظمة الدولية سوى موظف تابع للإدارة الأميركية، كلماته وخطبه وتوجيهاته لا تتعدى كونها صدى لخطب وكلمات أي مسؤول أميركي مهما صغر شأنه، وفي المرات القليلة التي يستيقظ فيها ضميره وتنطق إنسانيته يجن جنون واشنطن فتلفق له الفضائح وتكيل له التهم تمهيداً لعزله واستبداله تماما كما جرى مع الأمينين السابقين بطرس غالي وكوفي أنان. |
|