|
استراحة
بهذا البيت يختصر نزار قباني حكاية أهل دمشق مع الماء ،فبردى كان السبيل الأول لإرواء قاطني المدينة وزوارها،وتروى في كتب التراث كثير من الحكايات عن أبناء السبيل الذين انقطعت بهم أسباب السفر ،فكانوا يأوون إلى بستان تنساب فيه المياه رقراقة. بعد أن امتدت رقعة المدينة ،وبدأ التلوث يهدد بردى الذي يروي دمشق قامت مؤسسة مياه عين الفيجة في بداية القرن العشرين بجر المياه إلى المدينة، فأحدثت سبلاً في الأحياء والطرقات وفي مداخل الشوارع والبيوت. وكان الناس يتسابقون لإنشاء السبلان ،وبلغ عددها نحو الف سبيل توزعت في مختلف الشوارع الرئيسية والفرعية ،إضافة إلى كثير من الجرار التي توضع أمام المحلات التجارية،وتطورت فيما بعد إلى أجهزة مبردة. ويعود الاهتمام بالسبلان إلى العصر الروماني حيث تم جر مياه الأنهار بوساطة قنوات وتصل إلى حارة يسمى عندها الطالع . ففي دمشق اشتهر طالع الفضة قرب باب توما ،والذي أصبح عنوانا لمسلسل عرض في رمضان،كما توجد حارة باسم السبع طوالع ،قرب المكتبة الظاهرية،وعندما يؤخذ فرع من المياه إلى داخل المنزل ويجري في السلمك يسمى (فسقية). يعود بناء السبل إلى عهود مختلفة منها الأيوبي والمملوكي والعثماني،وهناك نصب كثيرة توثق للأنماط المعمارية لكل عصر ،وتتميز أغلب النصب بجمال بنائه المشيد من الحجر ،وتزين جدرانه كتابة إسلامية . ومنها سبيل البريد في منطقة السويقة وهو مسجل في عداد المباني الأثرية ،ويرجع تاريخه إلى العهد المملوكي ،وسبيل أبو الشامات في منطقة القنوات،ويعود بناؤه إلى العصر العثماني وسبيل الشيخ يعقوب في الميدان وهو من الحجر وله قوس مرتفعة تعلوها مئذنة جميلة من الحجر الأبيض والأسود. ومن السبلان الشهيرة في حي الشاغور سبيل الصمدية الذي يقع مقابل مقبرة باب الصغير أنشئ في عام 1526، وأمام محطة الحجاز يوجد سبيل الطبيب الشهيد مسلم البارودي وكان من قبل قريبا من بناء فندق الشرق ،ثم نقل إلى أمام واجهة المحطة ،ولا يزال موضع الاستخدام. وقبل جر المياه بواسطة القساطل كان يتم حفر الآبار في البيوت والطرقات،ويتم رفع المياه بواسطة كباس معدني أظنه من البرونز،وكان بعضها منتشرا في أحياء الميدان والشيخ محي الدين وساروجة. وليست المياه هي السبلان الوحيدة ،فهناك سبل الطعام ،ومن أشهرها طعام كان يوضع أمام جامع الشيخ محيي الدين بن عربي في حلل كبيرة في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ،وكان أغلب ما يوزع طعام من الحبوب يدعى( الهريسة ) وهي غير الحلويات المعروفة بهذا الاسم. وكان الناس يأتون بأوعيتهم ليأخذوا منه، وكانت توزع على كل من يأتي سواء كان فقيرا أم مستور الحال،فالفقير يأخذ ليسد جوعه ،ومستور الحال يأخذ لتناله بركة الشيخ محيي الدين. ومن سبل الطعام موضع في سوق ساروجة ،كان يضع فيه أحدهم ما زاد من الطعام عن حاجته ،ومنه طعام لم تمسسه يد ،ثم يأخذ الفقير حاجته منها ،وكان هذا الموضع يدعى جرن الشاويش ، وقد تم إنتاج مسلسل عن ساروجة منذ سنوات وضع له عنوان المكان (جرن الشاويش). ومن السبلان غير الدائمة توزيع الأشربة الباردة على المارة ،وأشهرها حلل العرقسوس التي كانت توضع في الطرق عند اشتداد الحر ولاسيما في رمضان بعد الغروب ،وكان منهم من يشرب ومنهم من يأخذ الشراب معه إلى بيته. تلك هي غيض من فيض سبلان الطعام والشراب في الشام. |
|