تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


« يا زمان الوصل.. »

معاً على الطريق
السبت 24-9-2011
قمر كيلاني

يا زمان الوصل في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي للمثقفين في سائر الوطن العربي.. هذه المجموعة ولا أقول الشريحة من الأدباء والشعراء والأكاديميين، والمترجمين خاصة،

وأصحاب الفكر والنظريات في السياسة وقضايا الشعوب ولو كانوا يحملون إيديولوجيات معينة شيوعية، أو اشتراكية، أو قومية، أو وطنية، أو دينية حتى.. هؤلاء الذين كانوا على امتداد الوطن يصدّرون إنتاجهم وأفكارهم في بلادهم، أو في أي من الأوطان العربية. وتسافر الكتب بين قطر وآخر أكثر مما يسافر المثقفون أنفسهم، ويتبادلون النظر فيما بين أيديهم بروح شفافة وحيادية، وتراعي المصلحة العامة دون ضغينة أو حقد أو حتى نقد هدّام.‏

تلك الفترة الذهبية التي كانت فيها عواصم بعينها في وطننا تساعد على هذا المهرجان الكبير مهرجان الثقافة فتطبع بيروت مثلاً وتقرأ العراق، وتقدم سورية المترجمين والمناخ الملائم لكل نقاش مهما كان بعيداً عن الآخر ولا يسمونه متطرفاً. وكم من المؤلفات والمراجع الدينية كانت تدرّس في الجامعات العربية.. ولا ننسى نحن هذا الجيل في جامعة دمشق مثلاً كيف كان أصحاب هذه الأفكار والكتب يدرّسونها بأنفسهم في الجامعة، وهم الذين غدوا بفعل المؤامرات الصهيونية أولاً، والاستعمارية ثانياً أعداء وإرهابيين، وملاحقين على طول البلاد وعرضها.‏

وماذا أقول عن الشعراء والأدباء المميزين الذين كانت تحتفي بهم الأقطار العربية كما لو أنهم جزء منها؟.. وكم كان الصوت العربي الأصيل الوافد من الجزيرة العربية ودول الخليج صادحاً وبنّاء وسخياً في مؤازرة الثقافة والمثقفين. ولاتزال الجوائز تمنح لمن يستحقونها ولو بالدرجة السفلى وليس المثلى.. حتى الفنون كانت بحاجة الى هؤلاء المثقفين من روائيين، وكتّاب مسرحيين، وممثلين، الخ...، لكي يرفعوا هذا المشعل العربي في سائر البلاد العربية. وربما دفعوا في هذا الاتجاه الى إيصال أصوات حضارتنا الى الغرب وأميركا عن طريق الجمعيات الأدبية والاجتماعية، وعن طريق الترجمة لا أن ينحسر هؤلاء المثقفون لتحل محلهم تجمعات المعارضة العارضة التي تعرّف نفسها بأنها بهذا الأسلوب لن تنهض أبداً ببلادها بل ستعيدها الى القانون الاستعماري المعروف (فرّق تسد).. وما بالنا إذا كانت الحجج الواهية في أيديهم كما في 11 أيلول 2001، أو غيرها من الحركات الاستقلالية والنهضوية التي استعملت سيوفها لنحرها لا لنحر أعدائها.‏

يا زمان الوصل.. لا أقول هذا تحسراً على ماضٍ ولى وانتهى لأن لكل زمن سياقه الخاص في كل شيء في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والفنون، والآداب، الخ...، وقليل من هذه الأزمان ما كانت له الصفة الفاضحة أو الواضحة في الخروج عن هذا السياق. وكم كان من الزعماء والقادة، والسياسيين ممن كانوا لا يقررون أمراً ما قبل أن يعودوا الى مرجعياته من دينية ومذهبية، وثقافية بحتة، أو انتماءات اجتماعية.. فالسمعة والتوافق الاجتماعي كان مقياساً ليس لدينا فقط بل لدى الدول المتقدمة الغربية أيضاً، ففرنسا مثلاً عندما حكمها ديغول كان له مستشاروه من المثقفين والخلّص من الوطنيين كأندريه مالرو مثلاً، ونذكر حوادث كثيرة لم يبت فيها الأمر إلا بالرجوع الى أصحاب الشأن فيها، فعندما أرادت فرنسا مثلاً أن تعيد رسم القبة لدار الأوبرا جمعت كل الفنانين، واستهلك الأمر شهوراً حتى اختارت أحدهم لهذه المهمة الوطنية، وكذلك عندما أرادوا تبييض المباني في باريس العاصمة فاستشاروا رموز الأحياء فيها حتى قرروا ذلك، وهكذا تفعل سويسرا مثلاً في تنظيم عاصمتها المتداولة وليست الحقيقية وهي جنيف، أو كما يفعل الإيطاليون في روما الحديثة التي يريدونها مثالاً رائعاً ومجسداً عن أمجاد روما القديمة.‏

والآن.. ورغم كل هذه الاضطرابات، والاحتجاجات، فالمثقفون بحاجة الى أن يخلقوا من جديد إمبراطوريتهم الخاصة التي تعنى أول ما تعنى بمصالح شعوبهم ولو تحت ظلال السياسة والاقتصاد.‏

يا زمان الوصل (ولا أقول بالأندلس) بل أقول: يا زمان الوصل.. هل أردد ما قاله الشاعر:‏

لم يكن وصلك إلا حلماً في الكرى أو خلسة المختلس‏

أم أقول سيتحقق حلم جديد في وطننا الكبير (ومن الأحلام ما يتوقع) أو ربما هو يقع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية