تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خريـف «الأمم»..

الافتتــاحية
السبت 24-9-2011
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

على الحلبة الممتدة منذ ستة وستين عاماً أفردت النزاعات الدولية أوراقها ..تطاير بعضها، فيما طوت أدراج النسيان بعضها الآخر، ومابقي منها لا يتسع وقت المنظمة الدولية لذكرها.

وفي الأروقة الموصلة إليها دارت جولات الصراع المحتدمة، وكانت الشاهد على مفارقات المشهد الدولي وتجاذباته، طوت السنون أشرعة الكثير منها ،فيما بقي بعضها معلقاً في فضاء الأمل والانتظار، معاندة حكم الزمن و«فروض» القوة ومقتضيات الهيمنة والاستعباد.‏

في هذه الحلبة جاهرت المواقف باتجاهها والدول بغاياتها وأهدافها.. وفيها أيضاً كانت اللبنة الأولى للدسائس الدولية التي تحولت فيما بعد إلى قرارات وفصول مريرة لا تزال تُجتر تداعياتها حتى اليوم.‏

وفي أروقتها المتعددة كانت الحسابات والمساومات والابتزاز.. كان البيع والشراء للمواقف والذمم والأدوار، وفي كواليسها كانت الصفقات ومصائر الشعوب والدول .‏

بين الحلبة والأروقة صاغت البشرية على امتداد عقودها هذه أحلامها وتطلعاتها، كما أفصحت الدول والقوى عن أطماعها ومشاريعها، تباينت هنا.. وتقاطعت هناك، والحصيلة ميثاق دولي بالغ في انزياحه عن مبادئه وأسس وجوده، ومبررات حضوره.‏

اليوم تقف المنظمة الدولية وملامح شيخوختها الحاضر الأكبر، والشاهد الدائم على عجز تقف خلفه صراعات مضمرة وأخرى علنية، والخاسر الدائم الشعوب التي صدّقت الميثاق وآمنت به وعملت على الاقتداء بمعطياته..‏

في كل عام تسترجع المنظمة ازدحام الأروقة فيها، فيما منصتها تغص بروادها الكثر، ولكل طامح دور وكلمات وإشارات، مواجع وهموم وأحلام، وبين هذه وتلك تزرع قوى الهيمنة أجندتها.. وتدس أوراقها لتتسلل إلى المنصة متبوئة صدارتها.‏

العجز الأممي ليس وليد آليات تجاوزها الزمن ومفارقات أغرقت المنظمة الدولية في مشكلات لا حصر لها.. وانما أيضاً سياسة هيمنة تعمدت تحويلها إلى مجرد أداة لتنفيذ أغراضها وتحقيق أطماعها، وإلى يافطة لتحقيق ماعجزت عنه، فكانت منصتها تلك قاعدة الانطلاق، واشارة البدء.‏

ماينتظر المنظمة الدولية أصعب بكثير من قدراتها، وأبعد من إرادات تتصارع تحت بنود متغيرة ومتبدلة وفق المزاج السياسي السائد وحسب أهواء السياسة والسياسيين، ومايواجهها أخطر من مشاهد الانزلاق في دورها وموقعها.. وحالات الفاقة في مسؤولياتها.‏

الحلم الإنساني الذي يزداد تعثره، لايزال معلقاً خارج الأروقة وبعيداً عن الكواليس التي مافتئت تلتهم ماتبقى منه، لترمي بفتاته داخل قاعاتها الملتهبة بالتصفيق.‏

استنزفت المنظمة الدولية رصيدها، وغرقت في أوحال السياسة الأحادية، وتجاذبات القوى والأطراف، وأغرقت معها أحلام البشرية وتطلعات الشعوب، وما عجزت عنه طوال ستة عقود ونصف العقد، لا يبدو أنها قادرة عليه اليوم، بل هناك من يصرّ على أنها في الحالة الأكثر عجزاً في تاريخها بعد أن أنهكتها حروب الآخرين، التي شنّت باسمها أو تحت لوائها وباتت يافطتها المصدّرة لتلك الحروب موضع استهجان للشعوب التي لاقت الويلات من نتائجها وانعكاساتها.‏

وما كانت ترفضه في زمن مضى، تجاهر به اليوم، بل تحوّل منبرها إلى منصات إطلاق للحروب, تعاقب هنا وتستهجن هناك.. تستقوي لهذا القرار، فيما تغض الطرف عن جملة قرارات إلى حدّ النسيان..‏

هي الصورة السوداوية لعالم اكتنزت في داخله مفارقات القوة واستخداماتها.. وعودة إلى الصفحات الأولى والهجينة التي تشكلت على أساسها، لتبدأ رحلة الاستجداء في خطواتها الأولى.. والانتداب الذي رفضته والاستعمار الذي استهجنته.. تشرعنه اليوم.. الأول تحت مسمى الشعارات والآخر خلف يافطة الحماية..‏

بين هذه وتلك «يندلق» ماء وجه المنظمة الدولية أو ما تبقى منه.. وحلم استعادته يعود ليستوطن وجدان الشعوب المقهورة حتى إشعار آخر.. لكن خريف «الأمم» يؤشر إلى شتاء قاس لمشهد العلاقات الدولية بعواصفه وأعاصيره وسيوله المدمرة..‏

a-k-67@maktoob.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية