تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لا يتوقف عن الاشتعال!

معاً على الطريق
الثلاثاء 3-10-2017
خالد الأشهب

حين يتصل الأمر بصراعات الأفكار والعقائد يفقد السلاح جل قدرته على الحسم وتتشظى الجبهات الحربية، ليصير كل دماغ بشري جبهة ويصير كل حامل فكرة عبوة ناسفة تسير على قدمين،

فتغيب الجغرافيا والحدود وتقصر المسافات وإن طالت إلى ما بعد الأفق!‏

وقد يخوض حرب الأفكار والعقائد جيوش منظمة أو ميليشيات مدربة تعد عشرات بل مئات آلاف الأفراد على طريقة تنظيمات داعش والقاعدة وجبهة النصرة وغيرها، وقد يخوضها فرد واحد على طريقة ستيفن بادوك الأميركي الذي ارتكب مجزرة رهيبة في مدينة لاس فيغاس الأميركية فجر أمس الأول، والتي أعلن داعش مسؤوليته عنها بادعاء إسلام الإرهابي ستيفن قبل أشهر فقط !!‏

غير أن النموذج الأكثر قرباً وفهماً لما أزعمه هو ما جرى في بلدة القريتين التابعة لمحافظة حمص من جهة البادية السورية قبل يومين أو ثلاثة، حيث، ورغم سيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه على البلدة وجوارها منذ زمن بعيد.. ورغم استتباب الأمن في البلدة وبعدها النسبي عن الجبهات، إلا أن الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي فيها أقدمت فجأة على الانتشار المسلح في شوارعها معلنة إخراجها من دائرة سيطرة الدولة السورية.. رغم انعدام أي أمل لعناصر تلك الخلايا في تنفيذ مآربهم؟‏

ومع أن قوات الجيش العربي السوري في المنطقة سرعان ما حسمت الموقف فاستعادت البلدة وأعادت إليها الأمن والاستقرار، إلا أن ما أريد الإشارة إليه هنا هو ذلك العمى السياسي والأمني الذي يسيطر على تلك الخلايا المتحركة وأفرادها، وتلك المجازفات العمياء وغير المحسوبة لأولئك الأفراد، والتي تدفعهم إلى الارتماء في مجهول مظلم يدركون معه سلفاً أنهم سيفشلون ويقتلون.. العمى السياسي والأمني الذي تحركه عقائدهم وأفكارهم، ويدفع بهم إلى محاولة اختراق المستحيل بوحي مما تعفن في أذهانهم من الأفكار والرؤى..‏

فما بالك حين تكون هذه الجماعات طليقة في طرائق تفكيرها وحركتها، كأن تكون في مناطق سيطرتها أو في القارة الأوروبية أو الأميركية ولديها مساحات واسعة من حرية الاعتقاد والحركة التي تكفلها القوانين المعمول بها هناك؟.. حينئذ، سيكون الاحتمال واسعاً جداً لأن ترتكب هذه الجماعات أفظع الجرائم، ودون أن تنجح أعتى تقنيات العصر وأحدث وسائل الرقابة والتدقيق في كشف جبهاتها وجيوشها، حينئذ أيضاً سيكون ادعاء داعش أقرب إلى الصدق حول إسلام ستيفن بادوك منذ أشهر فقط، وأنه أقدم على ما ارتكبه بوحي من ذلك العمى السياسي الذي نتحدث عنه؟؟‏

على هذا النحو من ضبابية وغموض حروب الأفكار والمعتقدات واتجاهها نحو ممارسة العنف بلا سقوف أو حدود.. يبدو المشهد أكثر خطورة وإبهاماً مما يبدو عليه في يومياته المعتادة، وأكثر كثيراً مما تتناقله وسائل الإعلام من أخباره العاجلة والتحليلية، ما يستدعي بالضرورة التفكير مجدداً.. ليس في انتاج تقنيات وأسلحة أفضل للمواجهة، بل في العودة إلى المربع الأول من المواجهة.. مربع الأفكار والعقائد، التي لا تتوقف عن إنتاج تلك الآلات المتحركة من البشر.. لتزجهم وتزجنا معهم في أتون لهيب لا يتوقف عن الاشتعال؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية