|
شؤون سياسية تتعالى في المقابل أصوات داخل الولايات المتحدة تطالب بتنفيذ انسحاب كامل من بلاد الرافدين، خاصة وأن امبراطورية الشر تعاني أزمة مالية كان أحد أسبابها الحروب العسكرية في العراق و أفغانستان و التمدد العسكري عبر العالم. تحت عنوان «اتركوا العراق للعراقيين» كتب الباحث «دوغ باندو» المطالب البارز بإنجاز الانسحاب الأميركي من العراق في مجلة «ذا نا شيونال انترست» يقول: ساغو الساسة في واشنطن يصرون على الاحتفاظ بوجود عسكري أينما ومتى كان ذلك ممكناً، بصرف النظر عن الاحتياجات الدفاعية لأميركا.. ومحاولة ادارة باراك أوباما الضغط على الحكومة العراقية لكي «تطلب» من الولايات المتحدة البقاء تكاد تكون مضحكة . فبدلاً من أن يطالب المسؤولون الأميركيون بغداد بأن تشرح لماذا استمرار الوجود العسكري الأميركي ضروري، فقد كانوا يتوسلون من أجل إبقاء قوات العراق». وإذا كان وزير الدفاع الأميركي السابق روبيرت غيتس يأمل أن يجدوا «العراقيون» سبباً لكي يطلبوا بقاء القوات الأميركية، فإن خلفه ليون بانتينا قد توسل إلى الحكومة العراقية مخاطباً العراقيين قائلاً: «بالله عليكم، اتخذوا قراراً» مكرراً القول: إن ادارة أوباما مستعدة لتعديل جدول انسحاب قوتها. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون «إذا ما طلبت الحكومة العراقية البقاء في البلاد فسيكون عدم الإصغاء لذلك منافياً لروح المسؤولية». وبموجب اتفاقية وضع القوات الأميركية في العراق التي تم التوصل إليه بالتفاوض بين ادارة بوش وبين الحكومة العراقية عام 2008 يفترض سحب جميع الجنود الأميركيين البالغ عددهم 48 ألفاً بنهاية هذه السنة. وبغض النظر عن موافقة حكومة العراق على بقاء قوات أميركية فإن واشنطن عملت و ما زالت تعمل على أن تضمن لنفسها استمرار وجود دور عسكري ما في بلاد الرافدين و من أجل الوصول إلى هذه الغاية تعمدت الولايات المتحدة إلى الحد من قدرات الجيش العراقي تاركة إياه بلا قوة جوية أو بحرية ليبقى عاجزاً عن حماية حدود بلاده حتى تضمن واشنطن السيطرة على الأجواء العراقية. عدا ذلك فإن الادارة الأميركية ما زالت تسعى لربط الأمن بتمديد الاحتلال الأميركي. ولذلك كلما استطاعوا أن يبرهنوا على أن العراق غير مستقر، كلما كانوا قادرين على ضمان بقاء الولايات المتحدة وقتاً أطول. و على هذا كان الاحتلال الأميركي حريصاً على إبقاء القوات الأمنية العراقية ضعيفة من ناحيتي التسلح و التدريب حتى تضطر الحكومة العراقية إلى تقديم طلب رسمي لإبقاء قواته بعد انتهاء المدة المقررة لجلائها نهاية العام الحالي. الوجود الأميركي في العراق ليس جزءاً من الحل، بل هو جزء من المشكلة أو ليس صحيحاً أن وجودهم هناك لحماية العراقيين، ولانية لفعل ذلك ، و عليهم أن يفهموا أن وجودهم تحت الذراع يثير السخرية، فبعد ثماني سنوات من الاحتلال و13 سنة من الهجمات شبه اليومية و العقوبات الاقتصادية والقتل والتجويع وتدمير البنى التحتية وسرقة الثروات والخيرات، لا يمكن للعراقيين أن يعتبروا الأميركيين منقذين لهم، والانسحاب الأميركي التام ذو أهمية بالغة، وهو أول خطوة يجب أن تتخذ من أجل وضع البلاد على المسار الصحيح لاعادة البناء، والمصالحة بين ابناء البلد الواحد. المؤسسة السياسية والعسكرية في واشنطن غير متحمسة كثيراً للتخلي عن العراق كما تقول الكاتبة ميديا بنيامين على موقع «أوب يدنيوز» الالكتروني، فالانسحاب سيئ لصناع القنابل، فكلما طال أمد الاحتلال ازدادت الأسلحة وتشتريها الحكومة العراقية من الشركات الأميركية، فإذا أضفنا إلى ذلك أن العراق مجاور لايران البلد الغني بالنفط، والمعارض للهيمنة الأميركية لحصلنا على وصفة لاحتلال لاينتهي. لا أحد يثق بالوعود الأميركية والشواهد كثيرة، فعلى الرغم من وعد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون بأن القوات الأميركية كي تبقى أكثر من سنة في البلقان، وهي منطقة ليس للولايات المتحدة فيها سوى حد أدنى من المصالح الأمنية، إلا أن غلاة الصقور في واشنطن يتحدثون عن وجود عسكري دائم في أفغانستان و البلد بعيد جداً عن المصالح الدفاعية التقليدية للولايات المتحدة وهو ما أكده الباحث الأميركي «دوغ باندو». ومنذ البداية وحتى اقتراب النهاية الآن كما يقول الكاتب. كانت العملية العراقية إخفاقاً تاماً مأساوياً. فقد قامت الولايات المتحدة بغزو العراق بحجة وضع يدها على أسلحة الدمار الشامل المزعومة، لكن وبعد ثبات عدم وجودها حولت العراق إلى مقبرة تغمرها الدماء تحت ذريعة نشر الديمقراطية حيث قتلت مئات الآلاف ودفعت الملايين إلى الفرار. والاحتلال الأميركي نقل الديمقراطية إلى العراق الذي يفتقر لثقافة ليبرالية من دونها لا يمكن للديمقراطية أن تزدهر. والتدخل الأميركي جعل ايران أكثر قوة. وفي الوقت ذاته دمر قدرة العراق على السيطرة على الحدود، وبرغم ذلك، يريد الرئيس أوباما التشبث بالوجود الأميركي في العراق، و التدخل في الشؤون الداخلية للعراق وتولي الدفاع عنه في المسائل الخارجية. مهمة أميركا في العراق انتهت و العراقيون يجب أن يتركوا لكي يقولوا بأنفسهم مصيرهم الوطني، و على الولايات المتحدة أن تتوقف عن إلحاق توابع خطرة إلى امبراطوريتها. الديمقراطية الأميركية المصدرة إلى العراق كانت محملة فوق الطائرات القتالية و قاذفات القنابل، فحرقت الأخضر واليابس وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ و الشباب و هدمت المصانع و دمرت المزارع ودمرت كل مقومات الدولة و مؤسساتها، ولم تميز بين طرف و آخر، فالكل نال نفس المعاملة و تمتع ومازال بنفس المصير.. وهذا جوهر الديمقراطية الأميركية. لقد اعترف مجرم الحرب جورج بوش الابن، بأنه أخطأ حين أمر بغزو العراق و احتلاله حينما أعملت قوته الديمقراطية المسلحة.. سلاحه ونيرانها لحصد مئات آلاف المدنيين الأبرياء و اغتالت العلماء في الداخل و لخارج. لا شك أن الرسالة الديمقراطية التي تولتها قوات الغزو الأميركية في العراق كانت محددة وواضحة وصريحة، ولهذا على الأميركيين الانسحاب من بلاد الرافدين لأن حربهم الاجرامية هناك انتهت إلى الفشل. |
|