تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الانتهاكات في مخيمات اللجوء والصمت التركي

شؤون سياسية
الاثنين 26-9-2011
عبد الرحمن غنيم

جاء خبر انتهاك الأعراض بالجملة في « مخيمات انتهاك الأعراض» التركية صاعقاً بكل المقاييس .

لقد ذكرنا هذا الخبر بداية بحادثة وقعت عام 1956 في قطاع غزة خلال الاحتلال الإسرائيلي للقطاع آنذاك،‏‏

فقد حدث في أحد الأيام أن حاول جنود صهاينة انتهاك حرمة المرأة في معسكر النصيرات للاجئين ولقد سرى خبر هذه المحاولة بين الناس سريان النار في الهشيم، واجتمعوا من كل حدب وصوب معلنين غضبهم ، وتشكل وفد من كبار السن، وتوجه إلى دير البلح لمواجهة الحاكم العسكري للمنطقة الوسطى محتجين مهددين متوعدين ، مطالبين بالقبض على الجنود المتورطين ومحاكمتهم وإلا فإن الشعب لن يسكت على جرائم من هذا النوع ، ولم يكن بوسع الضابط الصهيوني إلا أن يعد بتنفيذ هذا الطلب.‏‏

إن ردود فعل من هذا القبيل على جرائم انتهاك من هذا النوع علمت اليهود الصهاينة أن مسألة انتهاك العرض هي خط أحمر بالنسبة لعرب فلسطين، وأن مثل هذه الممارسة الإجرامية تشكل وصفة أكيدة لتفجير الثورة وتسعير المقاومة ، وأن الناس يمكن أن تتحمل كل صنوف الإيذاء التي تلحق بها - بما في ذلك القتل - ولكنها لا تقبل بانتهاك العرض ، ولقد ثبت التقليد الإسلامي هذه الحقيقة حين جاء في الحديث إن « من مات دون عرضه فهو شهيد».‏‏

والآن ، فإن ما حدث في « مخيمات انتهاك الأعراض » التركية يرقى إلى مستوى جريمة القرن الحادي والعشرين ، وذلك في ضوء الحقيقة القائلة إن الانتهاك طاول أكثر من أربعمئة امرأة وفتاة كن - وهذا هو الأخطر - في حماية الدولة التركية.‏‏

لن نتوقف هنا عند انتماء تركيا الإسلامي، ولا عند إسلامية الحزب الحاكم فيها، لنقول إن هذه الصفة « الإسلامية» يفترض أن يجعلها تحول دون ارتكاب مثل هذه الجرائم على أراضيها، ذلك أن أي دولة في العالم ، مهما كانت ديانتها ، معنية بتأمين الحماية لمواطنيها أو اللاجئين لها، ومنع وقوع مثل هذه الجريمة ، حتى ولو كانت جريمة فردية، حيث إن كل القوانين تعاقب مرتكبي جرائم الاغتصاب، وقد رأينا كيف أن المدير الفرنسي لصندوق النقد الدولي ، والمرشح لرئاسة فرنسا منافساً للرئيس ساركوزي ، اضطر للاستقالة من منصبه ، وجرى تقديمه إلى المحاكمة بتهمة التحرش بمستخدمة في فندق ، ونحن نذكر أيضاً تلك القضية الكبرى التي أثيرت ضد الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون بتهمة التحرش الجنسي، ولقد اضطر الرئيس الإسرائيلي السابق للاستقالة بسبب اتهامه بالتحرش الجنسي مع موظفاته فكيف إذا تجاوزت الجريمة التحرش إلى الاغتصاب؟‏‏

ولنفترض أن «مخيمات هتك الأعراض» التركية كانت فنادق سياحية، فهل يسمح القانون التركي للمواطنين الأتراك أو للنزلاء الأجانب بارتكاب جرائم اغتصاب للنزيلات في تلك الفنادق سواء كانت جرائم اغتصاب فردية أم جماعية؟‏‏

إن الجواب بطبيعة الحال مفهوم ، وهو أن القوانين التركية لا تسمح. وعندئذ نتساءل: ما الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية أو تنوي اتخاذها لمعاقبة مرتكبي جرائم هتك الأعراض في مخيماتها؟‏‏

ألا يشكل هذا العمل انتهاكاً للقوانين التركية ؟ ألا يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان التي يتحدث عنها المسؤولون الأتراك كثيراً هذه الأيام؟ ألا توفر تركيا حتى الآن ملاذات آمنة لمرتكبي الجريمة من السوريين وربما كان لهم شركاء من جنسيات أخرى؟ هل يقبل الشعب التركي أن تمر مثل هذه الجرائم الفاحشة مرور الكرام وألا يحاسب مرتكبوها باعتبار أن ما فعلوه يشكل إساءة للشعبين الجارين السوري والتركي مثلما هو إساءة للإنسانية جمعاء؟. هل يعقل أن تستمر الحكومة التركية في بسط حمايتها على منتهكي الأعراض؟. ألا يشكل صمت هذه السلطات على ما حدث وامتناعها عن محاسبة الفاعلين استفزازاً لمشاعر الشعب التركي إضافة إلى استفزاز مشاعر الشعب السوري والأمتين العربية والإسلامية وكل شعوب العالم دون استثناء؟.‏‏

إن قضايا انتهاك الأعراض التي حدثت في «مخيمات انتهاك الأعراض» التركية يجب أن تتحول إلى دعاوى قضائية ضد الجناة بأسمائهم بالنسبة للمعلومين منهم ولكن من يتبين أنهم شركاء بالنسبة للمجهولين وإن قضية ملاحقة هؤلاء ترتقي إلى مستوى قضية العصر لأن جريمتهم ترقى إلى مستوى جريمة العصر وعلى كل من سهل لهؤلاء ارتكاب جرائمهم مهما كانت صفته أن يتحمل مسؤوليته الجنائية . كما أن على المعارضة السورية- قبل غيرها- أن تسعى لكشف أسماء المرتكبين والعمل على تسليمهم إلى العدلة، وأن تتبرأ منهم علناً ودون أي لف ولادوران، وإلا فإنها ستعتبر أمام الناس مسؤولة عما حدث، وما حدث- كما هو واضح ومفهوم- لا يغتفر، ولايمكن للمعارضة أن تفخر أن أشخاصاً منها هم الذين قاموا به، وأنها تجيز لهم فعلتهم، إلا إذا كانت المعارضة تعتبر أن انتهاك أعراض الناس هي أحد أسلحتها التي تلجأ إليها !!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية