تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الدولار × اليورو= ؟!

منطقة حرة
الاثنين 26-9-2011
د: حيان أحمد سلمان

في أواخر عشرينات القرن الماضي وتحديدا في عام 1929 نشأت أزمة اقتصادية عالمية كبيرة واستمرت لأكثر من 10 سنوات، وأطلق عليها الاقتصاديون اسم أزمة(الكساد العظيم),

وبدأ من جرائها ارتفاع معدلات البطالة وتسريح العمال وتراكم المنتجات وارتفاع معدلات التضخم وتراجع الانتاجية والمضاربة في العملات...الخ، وهذا اضطرّ الرئيس الأمريكي لإقامة (معسكرات لاعتقال العمال), وأمام حدةّ وكارثية نتائج هذه الأزمة تداعى أشهر الاقتصاديين لمعالجتها وتحليلها واستنباط النتائج والدروس منها بهدف عدم تكرارها في المستقبل,، وهنا نشير إلى أنه في ذاك الوقت كانت سائدة (قاعدة الذهب)، أي أن كل عملة تحدد قيمتها بالذهب المغطي لها في البنك المركزي للبلد الذي أصدرها، وحسب رأي الكثير من الاقتصاديين الاقتصاديين أنّ اعتماد هذه القاعدة الصارمة عمقّت من الأزمة الاقتصادية المالية العالمية في ذلك الوقت, و نتيجة ذلك اجتمع عدد من دول العالم في عام 1944 في مدينة(بريتون وودس) عاصمة ولاية (نيوهامبشير) الأمريكية ووقعوا اتفاقية دولية نتج عنها المؤسسات الاقتصادية الدولية المعروفة, وكانت مهمتها الأساسية تنظيم التوجهات والإجراءات المالية الدولية، وركّزوا على ضرورة إيجاد آلية اقتصادية للحد من تداعيات الأزمة ولمنع المضاربة في العملات بتحديد أسعار صرف لها وفق نظام جديد يعتمد على تحديد سعر صرف العملات العالمية وفقا للذهب والدولار, وبالتالي تمّ وضع حد نهائي (لقاعدة الذهب) وأطلق على هذا النظام انطلاقا اسم (نظام بريتون وودز).‏

ويتمتع هذا النظام بنوع من المرونة مما ساهم في استقرار أسعار الصرف بشكل نسبي, فمثلاً حددّ سعر الأوقية الواحدة من الذهب أي وزن (33) غرام بسعر 35 دولار و 12,5جنيه إسترليني ,وهكذا تمّ تحديد سعر الغرام الواحد من الذهب بالدولار بما يعادل (35 33= 1,061دولار), ولكن الآن يتجاوز سعره 55 دولاراً؟! وحدد سعر الجنيه الاسترليني مقابل الدولار اعتماداً على هذه القاعدة هو(35 12,6=2,8).‏

وهكذا يمكن تحديد سعر صرف أي عملة أخرى مقابل الدولار أو أي عملة أخرى، وهنا يكمن سرّ الاستغلال الاقتصادي الأمريكي للعالم، ويؤكدّ أنّ أمريكا تتخلى عن أي شيء إلا عملتها لأنها بالنسبة لها تعتبرأكبر تجارة رابحة, واستمرّ العمل بهذا النظام مدة 3 عقود وكان الدولار هو العملة الرئيسة المستخدمة في التجارة والتمويل والمدفوعات الدولية أي في كلّ بل أغلب دول العالم, ولكن من جرّاء زيادة العجز في الميزان التجاري الأمريكي بسبب عدة عوامل ومنها (زيادة تمويل النفقات العسكرية الحربية الأمريكية وخاصة الحرب الفيتنامية – زيادة الاستثمارات الأمريكية في الخارج- زيادة الاحتياطيات الدولارية في العالم الخارجي..الخ).‏

وخوفا من الانزلاق نحو هاوية اقتصادية كبيرة لاتقدر أمريكا على تحملّ نتائجها المستقبلية، هرع البيت الأبيض الأمريكي وبقرار رئاسي ومن قبل الرئيس الأمريكي (ريتشارد نيكسون Richard Nixon) وتحديدا في 15/ 8/ 1971 بفك الارتباط بين الدولار والذهب, وكانت هذه أكبر عملية خرق نقدية في التاريخ المالي العالمي ,في هذه الأثناء كانت أوربا تفكرّ في الإجراءات التي تمكنها من الوصول إلى عملة أوربية موحدة وهي (اليورو) واعتمدوها في عام 1999، لكن بدأت مشاكل هذه العملة تتضخم من يوم لآخر ولاسيما مع تداعي الأزمة الاقتصادية المالية العالمية وعدم وجود سياسة مالية نقدية موحدة لها, و بدأ العديد من دول (منطقة اليورو) تفكرّ عملياً بالانسحاب من هذه المنطقة, والآن بدأت معالم التغير في القوى الاقتصادية العالمية تظهر, ولم يعد معدل النمو الاقتصادي العالمي مركزا في أوربا وأمريكيا، بل بالعكس بدأت مشاكلهما الاقتصادية تزداد من يوم لآخر, بل ظهرت الاقتصاديات الناشئة والتي تساهم بأكثر من 50% من النمو الاقتصادي العالمي، وتضم هذه الاقتصاديات دول متعددة ومن مختلف القارات، وأشهرها منظومة دول (البر يكس BRICS) والتي تضمّ (البرازيل- روسيا- الهند- الصين- جنوب أفريقيا),فهل تستطيع هذه الدول المساهمة في تغيير معالم النظام النقدي المالي العالمي ؟!‏

وخاصة أنها تتعامل فيما بينها بعملاتها الوطنية، وهي تشكل 42% من سكان العالم و30% من مساحة الكرة الأرضية و18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و15% من التجارة العالمية...الخ.‏

فهل نشهد قريبا انتهاء التعامل بالدولار أم اليورو ؟! وبالتالي ظهورعملة أو عملات دولية أخرى أم العودة إلى صيغ نقدية قديمة ؟! كل الاحتمالات متاحة لكن الشيء الأكيد أنه لم يعد يوجد إجماع عالمي على الدولار أو اليورو، وبأنّ الثقة بهما تتراجع من يوم لآخر, ونتوقع أن نشهد قريبا عملة دولية تعتمد على سلة من العملات وفي مقدمتها الروبل الروسي واليوان الصيني والين الياباني وغيرها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية