تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


معركتنا مع من ؟

إضاءات
الاثنين 26-9-2011
د.خلف علي المفتاح

ما يميز الازمة السورية هو حجم التداخل في أسبابها والتدخل الخارجي الحاد على خطوطها الساخنة بين لاعبين كبار وعملاء صغار، يمارسون لعبة تبادل أدوار مكشوفة تترك آثاراً واضحة على الخط البياني لمسارها والقطع بالاتجاه والمنحى الذي تسير وفقه،

فالواضح تماماً أن المشكلة في سورية لم تكن بين السلطة والشعب وإنما بين الدولة والقوى الخارجية سواء كانت إقليمية أم دولية بدليل أن تراجع حجم ومساحة الاحتجاجات الداخلية رافقه ارتفاع في وتيرة وعقيرة الأصوات الخارجية، وهنا علينا ان نتذكر أنه في بدايات الازمة كان الخطاب الخارجي والاقليمي في قراءة ما يجري يركز على أنه شأن سوري داخلي يحل عبر المنهجية التي تراها السلطة في التعاطي الايجابي مع مطلب الاصلاح، وهو ما حصل عملياً فالقيادة السورية تعاملت بشكل لا نمطي مع الازمة ولم تنكر ضرورة وأهمية الحاجة إلى عملية اصلاح شامل لبنية الدولة ومؤسساتها وحواملها والدفع باتجاه تغيير بنيوي في وظيفتها ومكوناتها وصولاً لدولة أكثر مدنية وعصرية وديمقراطية تستجيب وتتفاعل بشكل خلاق لمعظم التطورات التي أصابت المجتمع السوري خلال العقود الماضية ورغبته في بنية جديدة لدولة يكون فيها المشترك الوطني أكثر حضوراً من المشترك السياسي وهو الذي سارت عليه الدولة الوطنية السورية عدة عقود.‏

والحال إن مسار الازمة وتداعياتها وخط سيرها كشف ما هو مستور من دور أو لنقل شراكة حقيقية لقوى وازنة إقليمية ودولية اختبأت في بداية الأزمة ولم تظهر أو تعلن مواقفها الحقيقية مما يجري ظناً منها أن الاحتجاجات الشعبية وما رافقها من تهييج إعلامي ومحاولات لتأليب الشارع السوري على حكومته وقيادته الوطنية ستعجّل في سقوط (النظام) وتكون قد نجحت في النأي بنفسها عن تبعة ما جرى ولا تتحمل وزر ما ارتكبت بحق الشعب والقيادة الوطنية في سورية ووصلت إلى ما تريد دون فاتورة سياسية لا قبل ولا طاقة لها على تحملها .‏

ولكن الذي جرى على الساحة هو أن تلك القوى على اختلاف أوزانها وحجومها السياسية ودورها ودرجة انخراطها في المؤامرة فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك الهدف لعدة أسباب :أولها أن القيادة والشعب في سورية ادركا مبكراً حجم المؤامرة ودور اللاعبين الكبار والصغار فيها وزيف العناوين التي أطلقت ذريعة لها فصدرت حزمة من القرارات الاستراتيجية التي تلبي بل تتجاوز مطالب الاصلاح التي تعبر بالنتيجة عن إرادة وطنية جامعة وهو ما لم تتوقعه ما سمي المعارضة السورية التي راهنت على رفضه لتستمر في الاشتغال عليه ومحاولة كسب المزيد من المؤيدين له في الشارع السوري المسكون في الحاجة للاصلاح والتغيير ,الأمر الآخر أن الرهان على الشارع السوري وخداعه بسلة المطالب السياسية قد فشل لإدراكه العميق للأسباب التي تقف وراء ماجرى وطبيعة وتصنيف القوى التي ظهرت على الشاشات السوداء مقدمة نفسها وجوهاً اصلاحية ووطنية وذاكرة السوريين الحية ما زالت تحتفظ بصورة نمطية تبين درجة انخراطهم السابق واللاحق في التآمر على الوطن والاساءة للشعب السوري سواء كانوا في الداخل أم الخارج, ولعل العنصر الاهم في النجاح في مواجهة ما جرى ويجري هو الثقة الكبيرة التي أولاها الشعب السوري للسيد الرئيس بشار الأسد ورهانه عليه كرجل إصلاحي ووطني قادر على إدارة الأزمة بحكمة وعقلانية ومسؤولية وطنية والتعامل مع ظروفها ومعطياتها ووزن القوى الفاعلة والمؤثرة فيها، دون التقليل من حجمها ونفوذها ودرجة تأثيرها في المشهد الدولي الخاضع لكل أنواع التقلبات التي تفرضها طبيعة الظروف الدولية وتنازع المصالح وتقاطع الاستراتيجيات .‏

لقد استطاعت الدولة الوطنية السورية مواجهة ثلاث قوى وازنة عالمياً تتمثل في أموال الخليج وملياراته المهدورة للتآمر على اشقاء عرب وآلة اعلامية غربية وملحقاتها العربية جعلت من الحالة السورية ثابتاً في اجندتها اليومية وفكر إقصائي قشوره حضارة والروح جاهلية.‏

جملة القول لقد استطاع الشعب السوري بتماسكه ووحدته وغيرته الوطنية وجذره الحضاري وبالترابط العضوي بين مكوناته ووقوف الأصدقاء إلى جانبه، الصمود في مواجهة قوى لها وزنها وتأثيرها على الوضع الدولي جهدت وسعت ولا تزال لتأخذه من الداخل وفشلت في ذلك، والآن زاد سعيرها لتأخذه من الخارج وهذا التحول بقدر مافيه من الاطمئنان للداخل فإنه يتطلب منا المزيد من التضامن والتوحد وشد الاحزمة والثبات والإيمان بأن معركتنا هي ليست كما يحاول الاعلام التحريضي وأبواق السياسة تسويقه بالقول إنها معركة الشعب مع سلطته، وانما هي في حقيقة الأمر معركة الداخل مع الخارج, إننا واجهنا ونواجه مؤامرة ارتدت لبوس الداخل وباتت أطرافها معروفة وسورية بمكانها ومكانتها وماضيها وحاضرها واجهتها بكل قوة وبسالة وسنكون على موعد قريب مع الاستقرار .‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية