|
ملحق ثقافي لكني أحاول دوماً استراق بعضِ الوقت للقاءٍ بهنَّ ولو من فترة لأخرى … وفي زيارتي لصديقتي سلمى أخبرتني حكاية غريبة وروتها لي مؤكدة أن الأمر قد وقع فعلاً وليس فيه أية كلمة زيادة أو نقصان… أما الحكاية فبدأت حين أشارت سلمى على طفلٍ جميلٍ جداً مرَّ بنا وهي ترحِّب بي على باب دارها…ومن ثم دعتني للدخول قائلةً: “تفضلي... سأحكي لكِ شيئاً يخص هذا الولد .” وما إن دخلتُ الدار حتى دلفنا أنا وسلمى إلى الحديقة وأخذنا مكاننا المعتاد في ركنٍ يطل على الزهور ويغمره الظلُّ … بعد قليل أتت أختها آلاء ترحب بي صاخبةً معلنةً عن فرحها بقدومي ثم استدارت قائلةً:“ لا تتحدَّثا بشيء قبل أن آتيكما بالقهوة …أعرفكما لديكما أسرار كثيرة…واختفت في المطبخ… غرقنا بضحكة من القلب للحظاتٍ ثم قلت: “ هيا حدثيني عن حكاية الطفل من أولها لآخرها فقد أثرتِ فضولي.” قالت سلمى تحدثني: “ أرأيتِ كم هو جميلٌ ورائعٌ ومشرقُ الوجه؟! قلت: “ طبعاً, إنه كالملاك الذي يتخيله الفنانون ولكن… هيا ما قصته؟!” بدا وجه سلمى حزيناً وتكاد تبكي حقاً …قلت: “ مابكِ؟!” أجابتني قائلةً:“ ذاك الطفل الجميل صاحب الوجه الملائكي هو إبن حرام.” سألتها: “ حقاً؟!” فأخذت سلمى توضِّح لي الأمر بقولها: “ إن هذا الطفل هو مولود لأم وأب من زواج حسب التقاليد والقانون…وبزواج معلن وحفلة عرس مطنطنة في أفخم فنادق المدينة… وأهل الفتاة أخذوا مهرها الشيء الكثير …والعريس قدَّم للعروس منزلاً فخماً فرشه بأحدث طراز…وارتدت العروس أفخم فستان زفاف وقلَّدها العريس بطوق وأساور وخواتم وأقراط تزن كيلو جرام من الذهب والألماس …وأقلَّها بسيارة فاخرة إلى المطار …حيث طار بها ليكون شهر العسل في باريس … وهناك في الفندق وحين خلت الغرفة إلاَّ منهما …واجهت الفتاة الرجل …هكذا صارت وحيدة بلا سند …جلست على حافة السرير بينما هو يبدل ملابسه… وغابت الفتاة للحظاتٍ استعادت فيها يوم رفضت بشدة هذا الرجل قائلةً لوالدتها أنها لا تطيق رؤيته بل تمقته وتحس بالتقزز والغثيان لدى سماع اسمه أو النظر إلى وجهه… لكن أمها شتمتها بألفاظ قاسية وعبَّرت عن رغبتها بالتخلص منها …وأن تقبر الفقر بذات الوقت قائلةً لها أنها تريد ضمان مستقبل سعيد لها ولأبنائها …وأن هذا العريس فرصة عمرها وإن لم تقبل به فسوف تحدث أباها عن كل أسرارها وعن قصة حبها لزميلها في الجامعة…وهذه ستكون فضيحة كافية بنظر أمها ليضع أخوها رأسها تحت قدمه ويكسرها … ورغم كل ذلك لم تقبل ياسمين الانصياع للأمر وبقيت تعلن لأمها رفضها لعريس الغفلة هذا …وبالمقابل أصرت الأم وأخبرت زوجها أن ابنتها موافقة على الزواج وحدد موعد الزفاف مع الأهل… حين أزف يوم الزفاف ما كان عليها سوى الصمت وإلا ذبحت كما الشاة… وفعلاً بقيت صامتة …وهاهي مع هذا الرجل الذي لاتربطها به سوى ورقة الزواج والقيود الذهبية والماسية حول عنقها ومعصميها … رمت قيودها على عجل وأخذت تدعو الله أن يأخذ روحها لترتاح من مصيبتها … بقيت الفتاة صامتةً وما إن اقترب العريس منها حتى أخذت بالصراخ محاولة الفرار منه …إلا أنه استطاع اغتصابها وما عادت من شهر العسل إلا وهي حامل … وبعد تسع شهور أنجبت طفلها الوحيد هاني وهاهو ذا قد أصبح في الصف الثاني الابتدائي … وأنتِ رأيته كم هو لطيف وجميل ابن الحرام هذا … فيما يخص أمه فقد توفيت المسكينة في يوم ولادته …فقذفه أبوه لجدته ورمى لها بالمال قائلاً: “ كل ما يحتاجه أنا مسؤول عنه ولكن دعيه عندك وسوف آتي من وقت لآخر لرؤيته …” ثم انطلق في رحلة عسل جديدة مع عروس جديدة.” قلت:” ليس في القصة شيء غريب فهي كثيراً ما تحدث … ولكن الغريب والجديد بالنسبة لي هو تعبيرك عن ليلة الزفاف وتحليلك للأمور… مما جعلني مقتنعة أن هذا الطفل وأمثاله هم فعلاً أولاد حرام…” كانت عيناي مليئتين بالدموع حين عادت آلاء وهي تحمل صينية القهوة مستغربة رؤيتنا واجمتين …لكنها انتشلتنا من الموقف بصخبها … لدى انتهاء زيارتي لسلمى وبينما نحن على عتبة باب الدار مرَّ سرب أطفال …فقلت بجدية مازحة : “ في المرة القادمة ستحكين لي عن هؤلاء الأطفال من منهم أولاد حرام ومن منهم أولاد حلال.” ابتسمت سلمى بحزنٍ ولوحت لي مودعة… بينما انطلقتُ عائدةً لمنزلي وقصتها لا تبرح تفكيري… |
|