تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى متى نعيد استيراد ما نملكه..!؟

ملحق ثقافي
19/5/2009م
عفراء بيزوك

ظهرت في الآونة الأخيرة بدعة غربية في سورية, ألا وهي ظاهرة استقدام أجانب للعمل على مشاريع متنوعة وسأخص هنا المشاريع (الفنية) رغم أنني لم ولن أعترض على ذلك انطلاقا من إيماني بضرورة التبادل الثقافي والفني والإنساني.

مع العلم أني لست متشددة في هذه القضية رغم معرفتي الحقيقية للكثير من المبدعين السوريين الذي لا يترددون للحظة في صناعة الفن الجيد, لكن أن يتم استقدام خبراء أجانب بالفن والقول لنا أنهم يحملون مشروعاً فنياً لتطوير المسرح السوري مثلاً, فهذا ضمناً سيثير التوتر لأي شخص, فما بال العاملين في المسرح, أيضاً لن أتردد بالقول أنه ربما يوجد إشكاليات ما في مسرحنا السوري لكن هل يستطيع الآخر (المستقدم) حلّها وهو بعيد كل البعد عن مسرحنا وحياتنا.!؟‏

ومن هنا استفزني ربما عمل مسرحي تم استقدام مخرج مسرحي للتصدي له والقول له: أنا هنا لتطوير المسرح السوري, وفي تبيان وضعه لاحقاً نكتشف أنه تم استقدامه من الخارج وعمله كان فني إضاءة في بلده الأم, ثم أتانا بصفة مخرج مسرحي سيخلص عذابات المسرح السوري من قاتليه.‏

أعود وأكرر أنني لست مع أي تشدد مهما كان شكله, لكني مع الرؤية الفنية الجيدة والتي تحمل بعداً فنياً وإخراجياً, فالعرض الذي قدمه هذا المخرج والذي تم إيقافه عليه فيما بعد لأسباب ليست فنية, الأمر الذي استخدم وكأنه صراع فكري أيديولوجي, في حين أنه كان اتكاء هذا المخرج على نص احد كتابنا المسرحيين بدا وكأنه محاولة للترويج لهذا الشخص الذي أتى ليعلمنا كيف نتعاطى مع مبدعينا وفكرنا وقيمنا الأخلاقية منها والإبداعية.‏

لا شك بأن الضجيج الذي أثير حول هذا العرض جاء مفتعلاً ووجه باتجاه لا يبدو أنه كان صحيحاً, بل أريد منه على ما يبدو تغطية رداءة العرض وسذاجة تناوله, أذكركم بأن هذا الشاب ضرب بعرض الحائط جميع مبدعينا من أكاديميين ومحترفين يدرسون حتى في بلدان الغرب الفن المسرحي ولوّح بأنه آت لكي يعلمنا المسرح الاحترافي.‏

وأنا اعرف كما تعرفون جميعاً أن لدينا عشرات المسرحيين والسينمائيين والتشكيليين والموسيقيين وغيرهم من المبدعين السوريين الذين انتزعوا جوائز في الغرب ودرسوا علوم الغرب في بلدان تعد متطورة في هذه المجالات ومع ذلك نحن لا نتباهى أننا نأخذ جوائزهم أو نعلمهم, لأنه من الجميل أن يكون هناك تبادل ثقافي وفني, لكن من القبيح أن يكون فرض رأي أو استعلاء من أي نوع كان وخاصة في الثقافة والفن.‏

من جانب آخر أطلع على مشروع آخر تم استقدام خبير فيه فتم تكليفه بعمل مسرحي خارج خشبة المسرح وبسؤالي لأحد الاختصاصيين ولجنة المشاهدة عن هذا العرض فيقول لي: لقد فوجئت بهذا العرض الذي كان في قلعة دمشق ولم أفهم منه شيء سوى أن هذا الخبير قال لي أريد أن أعلم الطلاب على شيء جديد في المسرح وهو التأقلم مع الأجواء الخارجية وفي الأماكن الأثرية.‏

وأتساءل هل يعرف هذا الشخص الخبير والذي جاء بالأمس (قلعة دمشق)..؟‏

وهل يعرف أن هناك عشرات العروض التي قدمت في أماكن أثرية والهواء الطلق مع حسن استخدام خصوصية هذا المكان الأثري وقدسية ما يعنيه لنا..؟‏

اذكر مثالاً أن المخرجة نائلة الأطرش قدمت في قلعة دمشق منمنمات تاريخية قبل عدة سنوات, والمخرج فايز قزق قام بعدة تجارب من هذا النوع وكانت مميزة, والمخرج أسامة حلال, والمخرج عصام الراشد الذي كان له عرض مسرحي في قلعة مصياف وذلك منذ أكثر من عشرة أعوام. وآخر هذه التجارب تجربة المخرج سامر عمران في العرض المسرحي (المهاجران) الذي تم عرضة في ملجأ لا يتسع إلا لعشرات الأشخاص وقد عرض لعشرات الأسابيع , وهناك العديد من الأمثلة التي تثبت أننا لم نكن بحاجة لقادم يعلمنا كيف نستخدم أماكننا كفضاء مسرحي.‏

أخيراً أقول: معروفة عندنا عقدة الخواجة أي عقدة الأجنبي لكن هذه العقدة تصبح مضحكة حين يأتينا احد أبناء وطننا من الغرب وقد نسي لغته الأم, لكنه لم ينسَ انه أتى ليعلمنا.‏

نحن لدينا كوادر ومختصون وفنانون منتشرون بكل إنحاء العالم واثبتوا جدارة حتى في الدول الغربية التي يعيشون فيها, ومنذ أن أطلقنا اسم أوروبا على أوروبا ونحن لم ننقطع عن تصدير الثقافة وصنعها في أي مكان نتواجد فيه لكن أخلاقنا لم تسمح لنا يوما بأن نقول لهم في بلدانهم أننا أتينا لنعلمهم.‏

فإلى متى نعيد استيراد ما نملكه أصلاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية