تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


البرنامج النووي الإيراني في ظل الحصار الغربي

شؤون سياسية
السبت 1-10-2011
هيثم عدرة

رغم الحصار والعقوبات على إيران تستمر قدماً في برنامجها النووي الذي أضحى واقعاً، وكان من الطبيعي أن تخفق المباحثات الإيرانية الأوروبية سابقاً نظراً لما تقوم به أوروبا بالإنابة عن الولايات المتحدة الأميركية بشأن الملف النووي الإيراني من اللجوء إلى الجزرة وتارة أخرى إلى العصا على حد تعبير من يسوق لسياسة أوروبا والولايات المتحدة الأميركية في المنطقة بهدف تحييد القدرة النووية الإيرانية،

وعندما تم تحويل الملف النووي الإيراني سابقاً إلى مجلس الأمن كان المطلوب آنذاك اتخاذ إجراءات ضرورية ومهمة لمنع إيران من تحقيق ما تريده في المجال النووي، وكانت الإخفاقات الأميركية عبر السنوات السابقة كثيرة في هذا المجال، ولم تصل حتى هذه اللحظة إلى تحقيق ما تريده من خلال الضغط على إيران.‏

وكانت الأمور تتمحور سابقاً حول الطروحات الفرنسية أو البريطانية، فالأولى كانت تؤكد دائماً على جدوى العقوبات والثانية تلوح بالخيار العسكري، ولكن ما بين هذه العقوبات التي تؤكد دائماً عليها فرنسا سابقاً والرغبة في الخيار العسكري، وكانت تؤكد على ذلك بريطانيا سابقاً في زمن طوني بلير، وهم بذلك يعبرون عن المشيئة الأميركية وتعطشها إلى ذلك عبر رؤيتها للواقع باعتبارها المحرك الأول والرئيسي نحو الملف الإيراني، ففي ظل رضا الإيرانيين عن برنامجهم النووي السلمي لا يستطيعون فعل أي شيء ما يجعل من الحديث عن البرنامج النووي العسكري الإيراني أمراً أكثر سهولة وخصوصاً، أن الشعب الإيراني عبر قيادته يرى بالرغم من اللهجة العنيفة التي تظهر بين الحين والآخر من أوروبا أو أميركا يرون أنهم بحاجة إيران عشرة أضعاف مما هي بحاجتهم، وخصوصاً أن الشعب الإيراني يعتبر من حقه مواصلة نشاطه النووي وكانت واشنطن تدرك سابقاً أن إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن يعني أن طهران ستصبح بحكم القانون في حل من أي تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي يسمح لها بمواصلة نشاطها بشأن تخصيب اليورانيوم ، فإن واشنطن قد تلجأ بالفعل إلى توجيه ضربة عسكرية إلى طهران وخصوصاً بعد الفشل المتكرر في المباحثات حيال ملف إيران النووي، وبالنظر أيضاً إلى أن واشنطن تدرك ما سيترتب عليه امتلاك إيران للقدرة النووية من خلق وضع جديد لها في المنطقة سيوفره هذا السلاح النووي من ناحية، ولإدراك إيران من جهة أخرى ما تكنه لها الولايات المتحدة من عداء قد يتصاعد إلى حملة عسكرية إذا استطاعت أن تجيش العالم عبر مجلس الأمن ضد إيران!؟ ومن هذا المنطلق وعلى حد تعبير بعض المحللين أرادت إيران أن تعد نفسها لهذه المواجهة المحتملة وأن تتزود بالأسلحة اللازمة والقادرة على صد أي هجوم وخصوصاً ومن خلال اعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً بسلمية البرنامج النووي الإيراني.‏

ويرى بعض المراقبين أنه قبل توجيه ضربة عسكرية ستحرص واشنطن على أن تسلك الطرق عبر مجلس حكماء الوكالة الدولية وعبر مجلس الأمن وهذا ما تم سلوكه عبر السنوات السابقة على أمل الوصول إلى قرار صادر عن المنظمة الدولية يسمح بتوجيه ضربة لإيران لكي تتجنب واشنطن الخسائر الفادحة التي تكبدتها في العراق، ولكن يبقى الموقف الروسي والصيني المانع، والذي يجعل تحقيق الحلم الأميركي بعيد المنال.‏

ويمكن القول إن الحضور الأوروبي على الملف النووي الإيراني لافت للنظر وذلك على عكس حضورها في ملف كوريا الشمالية، إلا أن الدافع وراء هذا الحضور الأوروبي كان بسبب قرب إيران من أوروبا وما يمكن أن تمثله من تهديد لها، كما أن إيران تمثل نموذجاً لمستقبل نظام حظر انتشار الأسلحة النووية بالإضافة إلى رغبة أوروبا في أن تثبت لواشنطن أنها على الرغم من عدم نجاحها على بلورة كيان سياسي أوروبي لها، إلا أنها قادرة على إدارة الأزمات في هذه المنطقة،وهذا كله لا يتوفر بشأن كوريا الشمالية.‏

وكثر الحديث من قبل المحللين والمراقبين بخصوص امتلاك طهران للقدرة النووية وتصاعدها وصولاً إلى القنبلة النووية، فالبعض أعطى مهلة من خمس إلى عشر سنوات سابقاً والبعض الآخر تحدث أنه يتم ذلك خلال عامين إذا تم الإسراع في استخدام التكنولوجيا، والبعض الآخر تحدث عن بضعة شهور..الخ، ويبقى كل ما ذكرناه عبارة عن تكهنات تم الحديث عنها سابقاً وتتصاعد حدتها حسب المشيئة الأميركية وما تريده من ذلك.‏

وعلى الرغم من الارتياح الإسرائيلي للتشدد الأوروبي تجاه الملف النووي الإيراني، وعلى الرغم أيضاً من المحاولات الإسرائيلية والقيام بشكل دائم بتحديث خطط لتوجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، إلا أن بعض المحللين يقللون من أهمية ذلك أو بالأحرى عدم قدرة إسرائيل على ذلك بسبب صعوبة توجيه مثل هذه الضربة كما سبق وفعلت إسرائيل مع العراق، وخصوصاً أن إيران تقوم بدعم قواتها الجوية بصورة مستمرة ووضع أجيال جديدة من الصواريخ القريبة والبعيدة المدى، الأمر الآخر صعوبة ضرب المنشآت النووية الإيرانية كونها منتشرة في أنحاء متفرقة على أراضيها وليست في مكان واحد كما كانت على العراق وأن بيئتها الجغرافية لا تسمح للجنود الأميركان بشن حرب برية ضدها والأهم من هذا كله هو وجود عدد كبير من الجنود الأميركيين في العراق والذين سيصبحون في أي مواجهة تحت رحمة الصواريخ الإيرانية.‏

ويمكن القول إن سيناريو احتلال بغداد يصعب تكراره مع إيران، لكن تخوف الإدارة الأميركية على جنودها في العراق هو العامل الأساسي الذي يحول دون توجيه أي ضربة لإيران.‏

ويتم الحديث عن خطط الولايات المتحدة ما بعد انسحابها من العراق حيال إيران، وكيف ستؤمن حشداً دولياً ضد إيران، ويبقى الموقف الروسي والصيني يحول دون ذلك، والأهم من كل ذلك هو إرادة الشعب الإيراني وإصراره على متابعة برنامجه النووي السلمي، وبرأي المراقبين والمحللين لن تكون إيران لقمة سائغة ، وستكون قادرة في حال تورطت الولايات المتحدة وحلفاؤها على إلحاق خسائر فادحة تغير وجه منطقة الشرق الأوسط برمتها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية