|
شؤون سياسية ولكي نقارب المسألة بشكل أكثر وضوحاً ، فإن المفترض بالوسيلة الإعلامية أنها تقوم باستيراد «الرسالة الإعلامية » ومثل كل بضاعة يتم استيرادها يفترض أن تتوفر في هذه البضاعة مقاييس الجودة والصلاحية . ومقياس الصلاحية بالنسبة للإعلام هي أولاً المصداقية وثانياً حاجة الجمهور إليها . فإذا جرى تجاوز هذا المقياس تكون البضاعة فاسدة . لكن النقطة الأهم بعد استيراد «الرسالة الإعلامية » تتمثل في التسويق ،وهنا-وبحكم كون الإعلام تعبيراً عن الوظيفة الثقافية للدولة مالكة الوسيلة الإعلامية- من المفترض أن هذه «الرسالة» عند تسويقها تخضع لمعيارين من معايير النشر: أولاً - التسويق الداخلي ، حيث إن هذا التسويق هو الأهم عملياً بالنسبة لأي دولة وثانياً- إعادة التصدير، ولكن على خلفية وجود مصلحة للدولة المعنية من القيام بهذه العملية . وفي الحالتين ، هناك معيار للصلاحية لا بد من تطبيقه ،فالوسيلة الإعلامية المستوردة للرسالة الإعلامية قد تجد أنه ليس من الملائم تسويق هذه الرسالة داخل الدولة صاحبة العلاقة ، فتعمد إلى استبعادها جزئياً أو كلياً حتى ولو كان الخبر موضوع الرسالة صحيحاً ، والأمر هنا يتوقف على طبيعة الوسيلة الإعلامية . ففي الصحافة توجد مرونة في الفصل بين التسويق الداخلي والخارجي لا تتوفر في القنوات التلفزيونية الفضائية ، حيث إن هذه القنوات يشمل بثها الداخل والخارج معاً ، ولكن ثمة رسائل إعلامية تكون قابلة للتصدير إلى الخارج دون التأثير على الداخل وعندئذ ، فإن المعيار الذي يفترض تطبيقه يتمثل في قدرة الدولة صاحبة العلاقة على تبني الرسالة التي يجري تصديرها دون أن يؤثر ذلك على مصالحها . فإذا كانت هذه الرسالة أو المادة ستحرجها أو تؤثر عليها سلباً فإنها ستعمد إلى حجبها وأما إذا اعتمدت الخيار البديل ، وهو البث ، فهذا يعني أنها مسؤولة مسؤولية كاملة عما تبثه الوسيلة الإعلامية التابعة لها . حين نخضع المنطق الكامن وراء الرسائل الإعلامية التي تستوردها قناة الجزيرة وتعيد تصديرها ، يتضح لنا بشكل جلي أن هذه القناة ليست قطرية بحتة بحيث تعبر عن الوظيفة الإعلامية لدولة قطر ، وإنما هي - على ضوء التحليل والدراسة- سداسية الأبعاد . كما أنه يتضح لنا أن هذه القناة لا تكتفي باستيراد الرسالة الإعلامية بل تفبركها . وهذه الفبركة تتم في إطار عملية تهييج إعلامي فتنوي مقصودة، مما يحول قناة الجزيرة إلى منبر للدعاية السياسية والحرب النفسية، ومن ثم إلى أداة عدوانية. ويتم ذلك تحت العنوان العريض «صناعة الحدث »!! وهو عنوان يكشف بحد ذاته عن النوايا العدوانية المسبقة . إن الأبعادالسداسية لقناة الجزيرة ، والتي يمكن استخلاصها من خلال تطبيق منطق تحليل المضمون على أنواع الرسائل الإعلامية التي تتبناها وأساليب صياغتها فترة زمنية معقولة ، تتمثل بمايلي : 1- خدمة متطلبات سياسة الحكومة القطرية على الصعيد الإقليمي ، وفي ضوء تحالفاتها الدولية المعروفة . 2- خدمة السياسات الأميركية في المنطقة , والارتباط مع المخابرات المركزية الأميركية . 3- خدمة سياسةالتطبيع مع العدو الصهيوني 4- تشكيل منبر لجماعة الإخوان المسلمين ، وهو أمر لا يتأكد فقط من وجود العديد من منتسبي هذه الجماعة في إدارة قناة الجزيرة ، ولكن أيضاً في كون قيادات الأخوان المسلمين هم ضيوف المحطة شبه الدائمين خلافاً للأحزب الأخرى0 5- خدمة تنظيم القاعدة والتواصل الدائم معه وهو ما يتضح من انفراد الجزيرة بالحصول على بيانات القاعدة ونشرها قبل وسائل الإعلام الأخرى. 6- خدمة ما تسمى بمنظمات المجتمع المدني العربية الممولة أميركياً وأوروبياً، وإبراز أخبار أنشطتها بشكل دائم لتكون رديفاً للقاعدة وجماعة الإخوان المسلمين. إن تحديد هذه الخدمة السداسية للجزيرة يعني أنها قناة عابرة للقطرية القطرية فخدمة الوظيفة الثقافية للدولة القطرية هي سدس اهتمام الجزيرة وربما أقل من ذلك، بينما يجري التركيز على الارتباطات والاهتمامات الأخرى . ويبدو أن خللاً ما في التوفيق بين الوظائف الست للجزيرة - وربما لحساب الإخوان المسلمين - هو الذي يقف وراء استقالة وضاح خنفر وإقالة أيمن جاب الله ، وهذا الاستنتاج يخالف ذلك الاعتقاد الذي تناولته وسائل الإعلام في أن يكون كشف ارتباط خنفر مع المخابرات المركزية الأميركية على موقع ويكيليكس هو سبب إبعاده . فمثل هذا الارتباط كان معلوماً ممن عينوه في منصب المدير العام لقناة الجزيرة قبل أن يضعوه في هذا المنصب ، مثلما هو ارتباطه مع جماعة الإخوان المسلمين أمر معلوم، إن ما حدث عملياً هو حدوث تبدلات في بعض الأقطار العربية تثير مخاوف واشنطن ، ولعل اقتران استقالته مع إقالة جاب الله تشير إلى أن ما جرى على المسرح المصري بالذات هو أصل المشكلة . ومن المعروف هنا أن الولايات المتحدة أعلنت عن سعيها لاحتواء جماعة الإخوان المسلمين المصرية ضمن صيغة سياسية معينة تكفل قيام نظام موال لواشنطن في مصر ، وكأن الثورة المصرية لم تقم ولم تحقق أي إنجاز. |
|