تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التاء الخاسرة

آراء
الخميس 6-10-2011
الشيخ حسن حيدر الحكيم

دخل صديقي مستفسراً عن المداخلة التي أجريتها في ندوة ضمت عدداً من الأدباء والأصدقاء و المفكّرين و التي أثارت إعجاب البعض

وسخط البعض الآخر وكان عنوان هذه المداخلة .. التاء الخاسرة .. وقال لي :» ما كان ينقص مفرداتنا الإشكالية غير مفردة يخترعها الشيخ حسن وهي مفردة التاء الخاسرة فهات أعلمنا عنها وأخبرنا «.‏‏

ضحكت في نفسي وقلت له :«لا أدري إن كانت هذه المفردة ستكون ماركة مسجلّة باسمي .. وعلى كلٍ فإنني أدعي شرف إظهارها و تبيانها ولكن الذي اخترعها هو من وقع في حبائلها، وحتى لا أطيل فإن التاء الخاسرة هي التاء التي تصيب المستقيم فتجعله مائلاً وتصيب الصحيح فتحيله عليلاً». فقال الرجل :« يا لطيف .. والله أثرت فضولي فما التاء الخاسرة هذه ؟!».‏‏

:«يا صديقي التاء الخاسرة هي التاء التي يدخلها المدّعي على حياته فتحوّل الجمال قبحاً والبناء خراباً .. فمثلاً كم هو رائعٌ الإنسان الذكي ؟! وكم هو قبيح الإنسان المتذاكي .. أنظر التاء هنا ما أخطرها لتعرف الفرق بين الذكي والمتذاكي .. كم هو جميل الشخص الشاطر وكم هو قبيحٌ المتشاطر .. فالتاء الخاسرة هنا هي التي حوّلت الشاطر فعلاً إلى متشاطر .. والفهيم إلى متفهمن .. الحلو إلى متحال .. والشاعر إلى مستشعر .. و المخترع إلى مستخرع .. والفقيه إلى متفقّه .. والكبير إلى متكبّر .. والمسالم إلى مستسلم .. أليست هذه التاء الخاسرة هي المسؤولة عن تزوير الوجوه والوجنات والألوان، حيث الشقراء حلّت محلّها المتشقّرة و السمراء حلّت محلّها المتسمّرة والبيضاء حلّت محلّها المتبيّضة وهكذا.. فما الذي يجعل هذه التاء الخاسرة مُستهجنة ومُستنكرة لديك ؟‏‏

والتاء الخاسرة هذه ليست بتاء الادعاء فقط بل غمست نفسها بتاء التحايل والتلاعب فجعلت معتنق هذه التاء مسيئاً لنفسه و لغيره و مزوراً للحقيقة .. فكم من محتال راح يتلعّب بثورة التغيير المفروض تفجير ينابيعها في عالمنا العربي فترك منهجيّة التغيير وسارت به تاؤه الخاسرة مسار التعتير مخلّفاً التغيير وراءه مجرد شعار يسوّق به تخلّفه فأساء بحق الوطن والبلد والحضارة وكم من متكاسل جعل تاءه الخاسرة عصاً في عجلات التطوير وراح ينفخ في بوق التهويل والترديد السمج بدلاً من السعي في ركاب التطوير .‏‏

التاء الخاسرة ليست مصطلحاً مخترعاً بل هو واقعٌ نعيشه بين أناسٍ يستسهلون الحياة ويستعذبون المكاسب السريعة التي لا تأبه بمصلحة الوطن ولا بمصلحة المجموع الإنساني الذي يحيط بها .. و المفجع أنّ هذه التاء الخاسرة صارت موضة «يتموّض» الناس بها و يدافعون عنها ولها مريدوها وعشاقها ومشجّعوها .. وما تشاهده من مشاهد تكاد تسرق الأمل بتطور شبابنا وشابّاتنا تندرج تحت عباءة هذه التاء الخاسرة و إلاّ كيف تفسر هذه الأشكال الغريبة العجيبة في الشكل والمضمون لشباب وشابّات يتناثرون هنا وهناك على الأرصفة و (الكافتيريات) و المقاهي و..... وآه وستون ألف آه من التاء الخاسرة أيّها الصديق ..». لملم صديقي ما تبقى في جعبته من الكلام وهزّ رأسه موافقاً على ما قلت وغادرني قائلاً:أكتب عن التاء الخاسرة أيها الصديق .. أكتب عنها دع شبابنا يواجهونها . وها أنا قد فعلت .. فهل من مجيب؟!!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية