تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جهابذة الفيسبوك

معاً على الطريق
الأربعاء12-8-2015
أنيسة عبود

لأعترف بداية أني لست مغرمة بالفيسبوك.. ولم أعتبره يوماً (مع أهميته القصوى في هذا الزمن ) أداة تصنع أديباً.. لأن الفيسبوك يروّج للغث والثمين ..

ويصنع شهرة وهمية يظنها البعض ستدوم.. لكنها لا تدوم إذا لم تكن إبداعاً فعلياً بل تبقى في إطار الثرثرة التي يمارسها البعض ممن لا شغل لهم ولا عمل سوى المكوث في العالم الافتراضي الذي يتقوقعون فيه فيكتبون مرة عن تاريخهم المجيد.. ومرة عن طبخهم وولائمهم. ومرات عن فهمهم العظيم وقدرتهم على قراءة مابين السطور لقصيدة ما أو لمقالة وأحيانا لقصة.. فيقولون النصوص ما لا تقول.. ويذهبون في النقد والتحليل أكثر من سيبويه.. وفعلاً تعتريهم حالة الإعجاب بأنفسهم كلما ازداد انحرافهم عن المعنى المقصود وأخذهم الشطط في اتجاهات لا يقصدها الكاتب.. والأجمل من كل ذلك.. حالة القطيع الموجودة على الفيسبوك.. حيث لكل شخص مجموعة من الأشخاص المريدين أو ما يسمونهم بالأصدقاء التابعين له بحيث يمطرونه -باللايكات– من كل حدب وصوب، وويل لمن يعارض هذه المجموعات أو (العصابات الفيسبوكية الضيّقة الرؤيا) والتي تقرأ على هواها وتفسر كما يحلو لها.‏

كثيراً ما يلفت انتباهي في هذا العالم الشاسع (الخيالي طبعاً) أنه صار ساحة لتصفية الحسابات.. ولتغطية العورات وتبييض صفحات اللصوص والحرامية وضعاف النفوس وبَث النعرات الطائفية والعرقية.. لذلك قد يفيق شاعر كبير على شتائم تملأ الفيسبوك من قبل شويعر هزيل. أو رسّام تافه لم يُسمع به سوى صاحبته وأمه.. ولعل البعض من هؤلاء يحتاج لأن يعاقبهم القضاء وتجرجرهم المحاكم عندما يفترون على الناس الشرفاء وعلى الرموز الاجتماعية المحترمة. لكن رُبّ قائل (دعهم في جهلهم وحقدهم.. فهم لا يستحقون الرد لأن الرد يعطيهم بعض الشهرة والقيمة)، وخير مثال على ذلك عندما طلب أحد الإعلاميين العرب المعروفين من الجواهري أن يمتدحه بقصيدة فرفض الجواهري.. عندئذ قال الإعلامي : إذن اهجوني بقصيدة. فضحك الجواهري وقال: ولا هذه أيضاً لأني سأشهرك.‏

صحيح أن الناس أجناس، ولكل قدرته على الفهم والتحليل.. لكن رحم الله امرأ عرف حدّه فوقف عنده.. لذلك عليّ هنا.. ومن باب النصيحة.. أن يبقى بعض الناس في عالم الفيسبوك (الذي على قدّهم) ليخبرونا ماذا أكلوا وماذا شربوا.. وأين سهروا الليلة.. وهل شربوا أركيلة أم شربوا كؤوس الحقد والحسد.. وتذوقوا الذرة أو الصبر في ساحات دمشق الليلية الرائعة. فليس المطلوب من الجميع أن يكونوا شعراء مثل المتنبّي ولا نُقّاداً مثل جابر عصفور.. ولا سياسيين مثل أنيس النقّاش، وليس عيباً أن يتعلموا من بعض السيدات وربّات البيوت اللواتي يقضين نصف الوقت في الطبخ والنصف الآخر في الثرثرة عن الطبخ، وعلى الرغم من ضحالة القضية إلا أن (لايكات كثيرة) ستُسجل لهن.. وهذا ليس متعباً ولا سيئاً.. بل صارت القضية عادة وطريقة في العيش حيث نجد أشخاصاً لا يفارقون هذا العالم الافتراضي الذي من المفترض أن يعلمهم طريقة الحوار وطريقة قبول الآخر الذي ليس بالضرورة أن يكون على شاكلتهم.. وليس مطلوباً أن يكون نسخة منهم.. فإذا لم يكن كما يشتهون تبدأ لديهم حالة الهستيريا الخلاقة في الشتم والردح والكلام البذيء الذي يرتد على قائله دوماً ابتداء من الشكل وصولاً إلى المضمون..‏

وللعِلم.. كلما كان المرء ناجحاً ومميّزاً ومتفوّقاً كلما ألغاه القطيع.. ونبذه الجهلة.. وغيّبه الحاسدون.. من هنا لا يجوز التماهي كثيراً في عالم الفيسبوك ولا يجوز تصديقه والبناء عليه. إنه عالم وهمي لبشر يختبئون وراء الصورة..إنه عالم يختلط فيه الكذب بالصدق والخيال بالحقيقة.. والجهل بالعقل. عالم مشوّش.. ضائع بين المجاملات وبين الكذب، وليست (الإعجابات) في معظمها إلا ضحك على اللحى.‏

حريٌّ أن نستفيد من الفيسبوك بأَنسَنة الإنسان أكثر.. بتهذيب صورته وفكره. لا بتحريك الوحش القابع خلف الصورة.. الصورة شيء.. وجسد الصورة شيء آخر.. منشغلون أصحاب العقول النيّرة بصناعة المستقبل وبأَنسَنة الإنسان الذي مازال قابعاً في الغابة، يبحث عن الفريسة الجميلة ليأكلها.. العقل هو الجميل وهو النبيل يا أصحاب العقول المغلقة والرؤية الضيّقة.. المفتونون بالزخارف الفارغة. لا وقت للترّهات.. ابتعدوا عن الطريق. دعوا القافلة تسير لأن المستقبل بانتظارها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية