|
شؤون سياسية هذه هي ردّة الفعل الأولى التي يسارع الكيان إليها، أمّا الخطوة الثانية فيندفع إليها لا شعوريّاً، وتتمثّل بالغمز من قناة الدول العربية وإلصاق تهمة الفساد بها، في محاولة من هذا الكيان لتذكير العالم بأنه الخير الخالص وأنّ الشرّ لا يأتي إلاّ من جيرانه العرب. يفعل الصهاينة ما يفعلون ناظرين إلى العالم باستخفاف ما بعده استخفاف، مصرّين على أنّ ذاكرة هذا العالم مثقوبة وأن لا سبيل إلى رتق فتوقها، متناسين رائحة الفضائح التي انطلقت من صوبهم وأزكمت أنوف الدنيا. وهذه الفضائح لم يكن أبطالها موظّفين صغاراً في الجهاز الحكوميّ بل كانوا أصحاب مناصب متقدّمة في الهرم الوظيفيّ، فالعالم مثلاً لم ينس الإساءات الكبيرة التي ارتكبها رئيس الوزراء السابق ( إيهود أولمرت) قبل أن يصل إلى كرسيّ رئاسة الحكومة عندما كان وزيراً لا يشار إليه بالبنان، ويبدو أنّ إساءاته حرّكت الغيرة في قلب رئيس الكيان الصهيونيّ (موشيه كتساف)الذي أحبّ أن يختم تاريخه السياسيّ ( المشرّف) في السجن فوجد أن أقرب طريق مضمونة هي التحرّش الجنسيّ بإحدى الموظّفات العاملات في مكتبه فاندفع إليها فكان له ما أراد. أمّا العنصر الأساسيّ في التعتيم على الفضائح الأساسيّة التي انزلق الساسة والعسكريون الصهاينة في مهاويها السحيقة فكان الإعلام الذين يظنّون أنهم يتحكّمون حباله الصوتيّة ويجبرونه بالتالي على التلفّظ بما يشاؤون والإحجام عن التلفّظ بما لا يشاؤون فهم كما يظنّون ملوك الإعلام ومحرّكوه في الاتجاهات كلّها. لكنّ سفينة الإعلام تُدفع أحياناً برياح عاتية تحرّكها في اتّجاه لا يحبّذه الصهاينة، وعندما يحدث ذلك يكون حجم الفضيحة مضاعفاً. ورئيس الوزراء الصهيونيّ ( بنيامين نتنياهو) يخشى هبوب هذه الرياح لأنّه شأنه شأن أترابه من الساسة الصهاينة متورّط في كثير من القصص التي تحوم حولها الشبهات، ويبدو أنه ينوي القيام بضربة استباقية تشكّل درعاً واقياً من هجوم إعلاميّ محتمل واقع عليه عاجلاً أو آجلاً. وها هو الإعلام الإسرائيليّ يحدّثنا أن الملياردير اليهوديّ الأميركيّ (شلدون أدلسون) أصدر صحيفة يومية في إسرائيل يتمّ توزيع مئات آلاف النسخ منها يوميا تحت اسم «بيبي تون»، وترجمتها إلى العربية ( صوت بيبي)، وينصبّ جهد هذه الصحيفة اليوميّ على تملّق رئيس الحكومة ( نتنياهو) الذي يطلق عليه لقب تدليل بيبي- ومن الجدير بالذكر أن أدلسون هو صديق نتنياهو منذ زمن ويساعده في الكثير من الأمور مع الإشارة إلى أننا لم نُحَطْ علماً بماهيّة هذه الأمور وطبيعتها، ولكنّ اللبيب الذي يفهم من الإشارة يدرك أنها تتعلّق بتأمين مستقبل ( أبيض) لـ( بيبي) بعد مغادرته ميدان السياسة، وهذا الطريق محفوف بكلّ ما يجبر الأنف على الضغط على إحدى فتحيه أو كلتيهما لكي لا يُتحَف بتلك الروائح ( المنعشة). ولم ينس الإعلام الإسرائيليّ تذكيرنا أن الجريدة المذكورة تكلّف أدلسون 120 مليون شيكل سنوياً، ومن الجائز أنّ الخسائر أكبر من ذلك ،وهذه المبالغ المالية تستغلّ من قبل جهة غير إسرائيلية من أجل رفع شأن جهة رسمية بغض النظر عن مسلكيتها أو فيما إذا كانت هذه المصلحة تصبّ في مصلحة إسرائيل أم لا. لكنّ الجواب عند نتنياهو جاهز ويفيد أنها تصبّ في مصلحة ( إسرائيل) بعد أن قامت حالة تامّة من التماهي بين ( بيبي) و( إسرائيل) واتحدا في مزيج واحد لا يمكن فصل مكوّناته أو التفريق بينها. بقي أن نشير إلى أن الصحيفة المذكورة تصدر عن جريدة «إسرائيل اليوم» التي يملكها أيضاً أدلسون، والتي تحقق خسائر شهرية بقيمة ثلاثة ملايين شيكل، ولا ندري كم من الخسائر ستحقق من الآن فصاعداً بعد أن تخرج وجباتها الإخبارية منكّهة بتوابل نتنياهو التي ستخلق حالة فريدة من نفور القرّاء من الجريدة وعزوفهم عن القراءة. الفساد في ( إسرائيل) مصرّ على أن يطال كلّ شيء، وربّما تأخّر قطاره المسرع في الوصول إلى محطّة الإعلام، لكنّه وصل في النهاية لأنه آلى على نفسه ألاّ يغادر رقعة داخل الكيان الصهيونيّ إلاّ سيبلغها وقد وعد فوفّى، وعلى العالم أن يستعدّ لفضائح إسرائيلية جديدة من العيار الثقيل بطلها الإعلام الإسرائيليّ نفسه. |
|