|
شؤون سياسية وفي مقدمتها الجزيرة والعربية، في التعامل مع هذه العصابات، ووضع نفسها في خدمتها، بل والتنسيق معها، مما يعتبر أعمالاً عدوانية تقوم بها الجهات التي تقف وراء هذه الفضائيات. وأما على صعيد مواقف من يصنفون أنفسهم كمعارضة من هذه العصابات الإرهابية المسلحة فيبدو مبدئياً أنها تنقسم في هذا السياق إلى أربعة أطراف: -الأول: ويتواجد المعبرون عنه غالباً في الخارج يتبنى العصابات المسلحة، ويجهد في محاولات إمدادها بالمال والسلاح. -والثاني: ويتوزع المعبرون عنه بين الداخل والخارج يتهرب من الاعتراف بتبنيه للعصابات المسلحة، ولكنه يحاول تعليل وتبرير وجودها، والاستقواء بها. -والثالث: وهو غالباً في الداخل فإنه يؤكد رفضه لما تقوم به العصابات المسلحة، وينكر مسؤوليته عنها، ولكنه يرفض الذهاب إلى الحوار ما يعني عملياً استقواءه بها. -والرابع: وهو في الداخل، يرفض أعمال هذه العصابات، وينخرط في الحوار. وعلى هذا النحو، يبدو أن ثلاثة أرباع المعارضة متورطة في الذهاب إلى العنف المسلح، أو تبريره، أو الاستقواء به، وهذا يعني أن هؤلاء قد اختاروا الصيغة القائلة »إما قاتل أو مقتول« وأداروا ظهورهم للحوار، ولا يحاولون الاستفادة من القوانين الجديدة التي تتيح لهم تشكيل أحزاب سياسية، وتنظيم مظاهرات سلمية، وإيجاد منابر إعلامية، وهذه المعارضة تكون بذلك تضيع فرصاً أتيحت لها، وتختار المركب الصعب، وهو مركب حصيلته النهائية معروفة، وتتمثل بالملاحقة الفعلية والمحاكمة القضائية لأناس يتم تصنيفهم بين قاتل، وبين محرض على القتل، أو متواطئ في جرائم قتل. إن تبني معظم أطراف المعارضة لمنطق القتل والتخريب، يجعل المعارضة تضع نفسها في طريق مسدود، حيث يسود فيه مبدأمن سار على هذا الطريق، وآثر القتل فإن «دمه على رأسه» فحين تكون السلطة قد نزعت عملياً كل الذرائع التي تحججوا بها لمصلحة العمل السياسي الديمقراطي المنظم، ولم يبقَ للعنف مسوغ، تصير مجابهة العنف أمراً لامناص منه، وخاصة أن من لجؤوا إلى العنف المسلح باتوا يستبيحون أرواح المواطنين ودماءهم بشكل عشوائي، ما يجعل السلطة مطالبة بحماية الشعب، وإن لم تحمه من هؤلاء فإنها تفقد مبرر وجودها أصلاً. ورغم أننا نلاحظ أن الصنفين الثاني والثالث من المعارضة قد تأخرا في إدانة الإرهاب، وتأكيد البراءة منه، إلا أننا نعتقد أنه مازال في وسعهما أن يخرجا من دوامة الشبهات المحيطة بموقفهما، وإعلان النبذ المطلق للإرهاب الذي تمارسه العصابات المسلحة، والإسهام الإيجابي في كشف حقيقة الجهات الخارجية التي تقف وراء هذه العصابات، والتوجه إلى الحوار الوطني باعتباره السبيل الوحيد المنطقي للخروج من نفق الأزمة، فحين تدخل البلاد في منعطف دام خطير، ويصير الشعب بكامله هدفاً للأذى، تصبح سلامتها أهم من أي اعتبار آخر، وهذه السلامة لن يخدمها مطلقاً وقوف البعض في الدائرة الرمادية، لأن الوقوف في هذه الدائرة لا يخدم إلا منطق العنف المسلح والإرهاب، ولأنه لاعلاج لمنطق العنف المسلح والإرهاب غير استئصال المتورطين فيه، وإقرار أمن وسلامة المجتمع، وإن حديث بعض قوى المعارضة الآن عن رفض الحل الأمني لم تعد له من دلالة غير التغطية على العصابات الإرهابية المسلحة، وهذا الرفض من شأنه أن يثير الشك في حقيقة موقفهم من هذه العصابات، فإذا قالوا إن بمقدورهم وقف نشاط هذه العصابات، قلنا لهم إن هذا يعني أنهم مسؤولون عنها عملياً، وأما إذا لم يكونوا مسؤولين عنها ولا عن جرائمها، فواجبهم الانحياز إلى السلطة في مكافحتها، وكل من يملك أدنى قدر من الفطنة، والفطنة هي دواء الفتنة، بات يعرف أن مواجهة هذه العصابات وتجريدها من السلاح بات أمراً لا مندوحة عنه، كما أنه مطلوب من المعارضة إذا كانت حريصة حقاً على المساهمة في مواجهة هذه الظاهرة البالغة الخطورة على الوطن والشعب، أن تنتبه إلى أن تعاملها هي مع فضائيات الفتن التي تحرص على القتل، وتحاول تشكيل غطاء للقتلة، بات جزءاً من آلية الجرائم المقترفة، وجزءاً من المؤامرة التي تستهدف سورية، ففي كثير من الحالات يكون للكلام الذي يخدم منطق التحريض مفعول عملي على صعيد تجنيد العصابات الإرهابية التي تذهب إلى ممارسة القتل والتخريب، فالمنطق الإعلامي الذي كان البعض يعتمده في ظروف المظاهرات السلمية، يختلف تماماً عن المنطق الواجب الالتزام به لمواجهة الخطر الماثل في انزلاق البلاد لتدخل في نفق العنف المسلح والقتل والتخريب، فكل كلام يصب في خدمة هذا العنف الدموي هو تحريض عليه وإسهام فيه، وليس مجرد وجهة نظر خاصة يستوجب منطق العمل السياسي احترامها. |
|