تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصر الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق يتحول إلى متحف عالمي

شؤون ثقا فية
الأحد 8/6/2008
هناء الدويري

عندما يسطر التاريخ ملاحم بطولة إنسانية يقودنا فضولنا لمعرفة تفاصيل وجزئيات صاحب الملحمة والاهتمام بأدق تفاصيل حياته, فكيف بأكثرها ظهوراً ومثولاً للعيان..

قصر في ضاحية دمر غرب دمشق, ليس مجرد تذكار مكاني بقدر ما هو ذاكرة تاريخية تحكي ملحمة بطولية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة /الأمير عبد القادر الجزائري/ الذي قرر الاقامة في دمشق بصفة نهائية بعد إطلاق سراحه من السجون الفرنسية ونفيه خارج بلاده, بسبب تعهده قيادة المقاومة ضد المستعمر الفرنسي الذي استولى على الجزائر عام ,1830 وبعد مبايعته أميراً لتجمع قبائل المناطق الغربية للجزائر بتاريخ 1832 لأن والده محي الدين اعتذر عن تنصيبه قائداً لكبر سنه واقترح ابنه عبد القادر بدلاً منه والذي بدوره أثبت شجاعة وحنكة نادرتين في المقاومة, وقام بتنظيم الامارة, يعين خلفاء لتسيير الأقاليم والمقاطعات ويقوم بتعبئة المقاومين فيكوّن جيشاً قوياً متماسكاً,‏

يقوم بعدها بتنظيم الجباية ويحكم بالعدل, وبعد أن قوت شوكته يجبر الفرنسيين إمضاء معاهدة ديميشال في 24 فبراير 1834م وتقر هذه المعاهدة سلطته على الغرب الجزائري والشلف وبعد المصادقة عليه من طرف الحكومة الفرنسية يساء تطبيقه, يبرهن الأمير عبد القادر طوال ثلاث سنوات على قوته وتمكنه فيرغم الفرنسيين على العودة الى طاولة المفاوضات حيث يمضي والجنرال »بيجو« معاهدة التافنة الشهيرة بتاريخ 30 أيار 1837م يستطيع بموجبها السيطرة على الغرب الجزائري منطقة التيطري وجزء من منطقة الجزائر, وانطلاقا من هذه النقطة يبدأ الأمير بعمل شاق يتمثل في تقوية الدولة, بناء وتحصين مدن وتأسيس ورشات عسكرية ويعمل على بعث روح الوطنية والمواطنة وإطاحة وإضعاف المتعاونين مع المستعمر الفرنسي, ولكن المعاهدة تحمل في طياتها مرة أخرى أوجها للمعارضة الفرنسية وسوء التطبيق من طرف الحاكم فاليه حيث تندلع الحرب مرة أخرى في نوفمبر 1839م .‏

»بيجو« وبعد تعيينه حاكما يحاول السيطرة على كل البلاد فيطبق سياسة الأرض المحروقة مدمرا بذلك المدن والمحاصيل والمواشي.. الخ لكن الأمير عبد القادرالجزائري يستطيع مقاومته ويسجل انتصارات جلية مثل انتصار سيدي ابراهيم /23 أيلول 1845م/, لكن كلفة الحرب وسياسة التدمير المتبعة من طرف المستعمر تنهك البلاد, وينقل الأمير الى سجون فرنسا /تولون, بو, وأمبواز/ ثم يقرر نابليون الثالث إطلاق سراحه فينفى الى تركيا ويمكث قليلا في بروسيا ثم يقرر الاقامة بصفة نهائية في دمشق حيث يستقبل استقبالا استثنائيا.‏

يقوم بعدها بأسفار قليلة ويحج الى بيت الله الحرام مرة ثانية, بعدها, لا يبرح دمشق ويخصص بقية حياته للدراسة والتدريس, العبادة والتصوف والأعمال الخيرية, ففي عام 1860م وتبعا لأحداث دمشق يبرهن الأمير عبد القادر انسانيته الواسعة ويئد الفتنة التي وقعت آنذاك فيحظى باعتراف وعرفان عدة قادة وملوك منهم ملوك انكلترا, روسيا, فرنسا, لم يترك الأمير بصمته في التاريخ الجزائري فحسب بل في التاريخ العربي الاسلامي وحتى العالمي, وفي دمشق أسس مع جالية كبيرة من عائلته وأعوانه ومريديه, أسس الفقراء منهم ما سمي برباط المغاربة في حي السويق بدمشق وهو حي ما زال موجوداً الى اليوم على طريق ما كان يسمى محلة الميدان, وسرعان ما أخذ الأمير مكانته بين علماء ووجهاء الشام وقام بالتدريس في الجامع الأموي الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق في القرن التاسع عشر, ودمشق تحتفي بالمجاهد الكبير عبد القادر الجزائري فتحول منزله في دمر الى مركز للتنمية المحلية المستدامة ضمن مشروع تحديث الادارة البلدية, حيث شارفت وزارة الثقافة بالتعاون مع المفوضية الأوروبية على الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على عملية الترميم والصيانة بكلفة تقدر ب 500 ألف يورو لقصر الأمير عبد القادر الذي تبلغ مساحته نحو 1832م2 والواقع ضمن منطقة منتزهات وادي بردى الذي يمر أحد فروعه ضمن حديقة القصر المؤلف من طابقين تعلوهما غرفة طيارة /ثمانية الشكل/ على السطح, مساحة الطابق الواحد نحو 325م2 وبارتفاع 5أمتار تقريبا.‏

-للقصر مدخلان رئيسي من الجهة الغربية ومدخل آخر من الجهة الشرقية, ويتصل الطابق الأرضي بالطابق الأول بدرج داخلي بشاحط واحد مكسي بالرخام في الأسفل يتفرع منه شاحطان بالأعلى نحواليمين واليسار مكسيان بالخشب, سقف الطابق الأرضي مؤلف من حواجز معدنية تربط بينهما أحجار من الفخار وهي مغطاة في الأعلى بالعوارض والألواح الخشبية التي تشكل أرضية الطابق الأول وكانت مقشرة بشكل كامل مع وجود فتحة سماوية في سقف هذا الطابق ,أما سقف الطابق الأول فهو مؤلف من عوارض وألواح خشبية في القسم الأوسط وهذا الجزء الأفقي من السقف كان منهاراً في قسمه الأكبر بسبب عامل الزمن, ولكن أعيد ترميمها بالكامل مع المحافظة على الشكل الأصلي.‏

-أما القسمان المائلان الشمالي والجنوبي من سقف الطابق الأول فهما مؤلفان من العوارض والدعائم الخشبية المغطاة بالقرميد وكانا منهاران بشكل كامل, أعيد بناؤهما, كما أعيد ترميم الغرفة السماوية الموجودة على سطح القصر ذات الجدران الثمانية الخشبية والسقف الخشبي المغطى بالقرميد, أما جدران القصر فهي مبنية من الآجر والحجر, وكل الأبواب خشبية وسيتم إغناء القصر بالمقتنيات الشخصية والوثائق والصور المتعلقة بالمجاهد عبد القادر, والقصر فخم وجميل معمارياً ويشمل وحدة مستقلة وله إطلالة جميلة إضافة لإحاطته بحديقة واسعة من كافة جوانبه يتم الوصول إليها عن طريق رحب من الطريق العام دمشق-بيروت.‏

بقي أن نذكر أن الأمير عبد القادر ولد بالقطنة قرب معسكر عام 1808م تلقى تربيته بالزاوية التي كان يتكفل بها أبوه محي الدين ثم تابع دراسته بأرزيو ووهران على يد علماء أجلاء حيث أخذ منهم أصول العلوم الدينية, الأدب العربي, الفلسفة, التاريخ, الرياضيات, علم الفلك والطب, وكان على علم ودراية تامين بعلماء أمثال أفلاطون, أرسطو, الغزالي, ابن رشد كما تبينه كتاباته, وقد تفانى طوال حياته في تجديد علمه وإسراء ثقافته, من كتاباته:‏

- ذكرى العاقل /طبع بالجزائر/ الذي ترجم عام 1856 وأعيدت ترجمته عام 1877م حيث عرف حينها تحت اسم /رسالة الى الفرنسيين.‏

- المقرض الحاد /طبع بالجزائر/ حيث يدين الأمير أولئك الذين يتهجمون على الاسلام.‏

- السيرة الذاتية /طبع بالجزائر/.‏

- المواقف /طبع بدمشق والجزائر/.‏

إضافة للعديد من الرسائل التي لم يتم جمعها الى الآن.‏

توفي الأمير عبد القادر في دمشق بتاريخ 26أيار 1883م. وشاركت جماهير غفيرة في مراسيم تشييع جنازته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية