|
شؤون سياسية سطوتها وسيطرتها على حياة هذه الشعوب من خلال قوة المال والتنفذ وعبر منظومة كبيرة تحكمها المصالح والخديعة والدليل على ذلك أن هذه الديمقراطية سرعان ما تتلاشى عند أقرب احتكاك لها مع الشعب حيث لا يغيب عن بالنا بهذا الخصوص تصريح ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الذي وصف مواطنيه بالمختلين والمجانين الذين بحاجة للعلاج لمجرد خروجهم إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة والمساواة وزج بالآلاف منهم في السجون! هاهي الولايات المتحدة الأميركية التي يقبع تمثال الحرية في مدخل الواجهة البحرية لأحد أهم مدنها، تقدم نموذجاً مشابهاً لما حدث في بريطانيا وفرنسا عام 2008 حيث تواجه موجة الاحتجاجات بالقمع المفرط والاعتقالات لمئات المحتجين حول النظام المالي والاجتماعي والعنصرية وارتفاع معدلات البطالة بين صفوف الأميركيين. فمن ساحة وول ستريت وسط نيويورك إلى جسر بروكلين امتدت جموع المحتجين على سياسات السلطات الأميركية لتشمل ولايات ومدناً أخرى على طول البلاد وعرضها، فخرج المحتجون في مدن كاليفورنيا ولوس أنجلوس وايلنيوي بشيكاغو ومناطق بولاية دنفر وبوسطن وسان فرانسيسكو وغيرها للتنديد بالاستخدام المفرط للقوة من قبل السلطات الأميركية وللمطالبة بالعدالة والمساواة وتشغيل مئات الآلاف من العاطلين عن العمل الذين طالبوا بتأمين فرص عمل لهم والتنديد بالنظام المالي لواشنطن والفساد المستشري في المؤسسة الأميركية، فيما يقبع الأميركيون تحت رحمة سلطة هذا المال وسطوته والفساد الذي يطال كل المفاصل وسعي المسيطرين على الثروات إلى استبعاد الآخرين والسيطرة على عقولهم من خلال المال. المتظاهرون دعوا الأميركيين للنزول إلى الشوارع ورفعوا لافتات تنتقد الشرطة في حين هتف آخرون« البنوك يتم إنقاذها ونحن يتم بيعنا» ونحن نسبة التسعة والتسعين في المئة. هذا المشهد الاحتجاجي لم يعجب الشرطة الأميركية التي يدعي ساستها أنهم مهد الديمقراطية فسارعت إلى اعتقال مئات الأشخاص فوق جسر روكلين في نيويورك وحدها بتهمة سد طرق المرور ومحاولة تنظيم مسيرة دون ترخيص أصبح وسط مانهاتن قرب موقع مركز التجارة العالمي السابق مكاناً لتجمع المتظاهرين المطالبين بالعدالة وإلغاء العنصرية وتعهد المنظمون للتظاهرات بمواصلة تنظيمها وتوسيعها لتشمل مناطق جديدة حتى تحقيق مطالب الفئات المسحوقة من الشعب الأميركي وخاصة أولئك الذين استولت السلطات على منازلهم بحجة عدم الإيفاء بالتزاماتهم المالية في أعقاب أزمة الرهن العقاري وارتفاع معدلات البطالة وعمليات الإنقاذ المالي التي جرت في عام 2008 إن اندلاع هذه التظاهرات في بلد يدعي أنه مهد الديمقراطية وأنه توصل للنموذج الأمثل في صياغة حياة مواطنيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية يدل على زيف هذه الادعاءات التي تتخذ من حجة الديمقراطية وسيلة للسيطرة على مقدرات شعوبها وإدارتها بشكل متقن عبر بيتونات المال وتجار السلاح والمخدرات وشركات النفط العملاقة والتي تعد رافعات لأي رئيس أميركي والذي تضخ في عملية إعداده وحملته ملايين الدولارات وتدفع على حسابه أضعاف مضاعفة من أجل تنفيذ أجندة وسياسات معينة لأصحاب المال والمصالح واللوبي بأشكاله المختلفة. العدالة الاجتماعية والاقتصادية هي كذبة أخرى، بسبب معاناة قسم كبير من الأميركيين من سياسات التمييز بما فيها العرقي حيث هناك السياسات التمييزية بحق السود وذوي الأصول اللاتينية والعرب وغيرهم ، أما الفقراء فهم شريحة كبيرة من المجتمع الزميركي وما طلب الإعانة التي قدمت للعام القادم والتي قدرت بحوالي خمسمئة ألف طلب إلا دليل حول التوسع العمودي والأفقي لدائرة الفقر ليطول شرائح جديدة بحيث أصبح النظام المالي والاقتصادي وخاصة في ضوء الأزمات المالية المتعددة التي تطول الاقتصاد الأميركي/ تزيد من غنى الأغنياء وتمعن في إفقار الفقراء/. فهذه التظاهرات المطالبة بالعدالة والمساواة وتأمين فرص عمل لم تندلع عفو الخاطر بل هي نتيجة تراكمية للسياسات واشنطن المتجاهلة للفقراء في الولايات المتحدة الأميركية شأنها شأن بريطانيا وفرنسا وسائر الدول الغربية التي تدّعي الحرص على مواطنيها وتقوم بالاتجار بمصالحهم في مزادات مختلفة. فالرئيس الأميركي باراك أوباما وعد الأميركيين قبل انتخابه رئيساً لبلاده بأن يوسع الضمان الصحي ليطول شرائح جديدة ووعد بخفض العجز وزيادة مخصصات المعونة الاجتماعية وخفض سن التقاعد إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث بل زادت العجوزات بحيث اعتبر قسم كبير من المحللين الأميركيين أن ما وصلت إليه الولايات المتحدة من وضع مزر على صعيد تردي سمعتها من جهة وعجزها الاقتصادي من جهة أخرى هو مجمل السياسة الأميركية للإدارات الأميركية السابقة والتي زاد من طينها بلة حقبة باراك أوباما المتقلبة في اختراع الاسترتيجيات والخطط التي لم تسمن ملايين الفقراء الأميركيين وحول العالم من جوعهم بل زادت حروبهم الداخلية والخارجية من أزمة المواطن الأميركي ومن تعميق أزمات شعوب العالم على المستوى الخارجي! التظاهرات الأميركية مرشحة للمزيد من التصاعد وهي مؤشر على الغضب الشعبي المتصاعد لدى الأميركيين تجاه سياسات إداراتهم المتعاقبة وهي تعني قبل كل شيء أن الديمقراطية الغربية ما هي إلا غطاء رقيق يجري رميه عند أقرب اختبار وتجري المزايدة والمقامرة به عبر كل السياسات الأميركية الداخلية والخارجية. |
|