تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


 حزب العمل .. أزمة قيادة أم ضحية التطرف ؟   

شؤون سياسية
الأحد 9-10-2011
عدنان علي

 بعد سلسلة من النكسات التي مني بها خلال العقد الماضي بسبب انتهازية قادته، انتخب حزب العمل الإسرائيلي  شيلي يحيموفيتش وهي صحافية سابقة، رئيسة للحزب،

على أمل النهوض مجددا بالحزب الذي فقد شعبيته، وانحدر إلى حزب ثانوي بعد أن ظل مهيمناً على الحياة السياسية في إسرائيل منذ قيامها حتى نهاية التسعينات .‏

 وتقع على عاتق يحيموفيتش  البالغة 51 عاما مسؤولية وقف انحدار الحزب الذي قاد الحركة الصهيونية وحكم اسرائيل بلاانقطاع لمدة 29 عاما (1948-1977)  لكنه لا يشغل اليوم سوى ثمانية مقاعد في الكنيست من اصل  120 مقعدا.‏

 ورغم انها لم تنشأ في الحزب، تمكنت يحيموفيتش من التغلب على منافسها رئيس الحزب السابق عمير بيرتس الذي كان في الواقع هو من ساعدها على الدخول في عالم السياسة عام 2005  . وركزت نشاطها منذ ذلك الحين على الجوانب الاجتماعية التي كانت ابرز نقطة في حملتها الانتخابية، حيث تمتنع حتى الان عن اتخاذ موقف من القضايا الرئيسية مثل عملية التسوية مع الفلسطينيين.غير انها دافعت في الآونة الاخيرة عن الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية الامر الذي أثار غضب ما تبقى من تيار يساري في الحزب.وهي تقول انها ستدعم اتفاق سلام مع الفلسطينيين يستند إلى  حدود حزيران 1967 مع الاحتفاظ بكتل استيطانية في الضفة الغربية.‏

وخلال عقدين من الزمن، تراجع تمثيل حزب العمل في الكنيست من 44 نائبا بقيادة اسحق رابين عام 1992 الى 13 نائبا فقط في انتخابات شباط  2009، ثم انخفض إلى ثمانية نواب مع انشقاق رئيس الحزب السابق ايهود باراك مع اثنين آخرين وتشكيله حزبا صغيرا بهدف البقاء ضمن الائتلاف الحكومي بقيادة حزب الليكود، ورفضه مغادرة الائتلاف وفق مطالب غالبية اعضاء الحزب.  ‏

 والواقع انه منذ تخلي حزب العمل عن برنامجه السياسي المفترض بشأن عملية التسوية في المنطقة، وذلك بعد اغتيال اسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي، دخل الحزب في أزمة قيادة كانت سمتها البارزة التهالك على السلطة بأي ثمن، حتى ولو على حساب القاعدة الشعبية للحزب التي تنظر اليه كممثل ليسار الوسط، لينزاح تدريجيا باتجاه اليمين ويتماهى معه في معظم اطروحاته السياسية، ما أدى إلى خسارته المزيد من جمهوره، دون أن يتمكن في الوقت نفسه من الحصول على حصة من الجمهور اليميني الذي تحتكره أحزاب أخرى مثل الليكود وكاديما والاحزاب الدينية، وذلك وسط  شارع اسرائيلي يوغل يوما بعد يوم في توجهه العسكري اليميني المتطرف وايمانه بأن القوة العسكرية وحدها كفيلة بتأمين وجوده وردع أعدائه.‏

لقد وجد حزب العمل نفسه ضعيفاً امام تحريض اليمين وذلك بعد أن أسهم هو نفسه وخاصة  خلال حكومة باراك في تغذية التطرف، بل انه هو من وضع كل قواعد القمع والارهاب ضد الشعب الفلسطيني مع بدء عدوان 2000، الذي أعقبته انتفاضة شعبية فلسطينية. وحكومة باراك هي اول من  استخدم الطائرات وعمليات القصف والاغتيالات، وواصل حزب العمل العدوان من خلال مشاركته في حكومة شارون حتى مطلع العام 2003.‏

 وفي الوقت نفسه، لم يقدم حزب العمل حين كان في الحكم أي بديل اقتصادي، حيث انعدمت نهائيا الفروق بين حزبي العمل والليكود في السياسة الاقتصادية، وهو ما قاد أيضا إلى تعميق ابتعاده عن قاعدته الاجتماعية التي تستند تاريخيا إلى طبقة العمال بوصفه حزبا عماليا اشتراكيا كما يطرح نفسه، واقترابه أكثر من الطبقة البرجوازية التي كانت سابقا تجد تعبيراتها السياسية في الاحزاب اليمينية .‏

يضاف إلى ذلك، أنه مع عسكرة الحياة السياسية في إسرائيل بشكل عام، طغت العسكرة على حزب العمل وبقية الاحزاب لتطفو في قيادة الحزب الرتب العسكرية من رابين  إلى باراك ومتان فلنائي وبنيامين بن إليعازر وإفرايم سنيه وعامي أيالون  ودان ياتوم وآخرين.‏

وعلى هذه الخلفية، ومنذ اغتيال رابين كان كل زعيم يتم انتخابه لحزب العمل هو زعيم مؤقت. فقد سقط شمعون بيريز وسقط إيهود باراك ثم عمرام متسناع وبنيامين بن إليعازر وعمير بيرتس وصولا إلى ايهود باراك للمرة الثانية، وكل ذلك خلال سنوات قليلة، ليتحول اليوم إلى حزب هزيل بلا أيديولوجية واضحة، وبلا قيادة مقنعة .‏

واضافة إلى  العوامل السابقة، يرى مراقبون أن أحد الذين أسهموا بدرجة كبيرة في تدهور مكانة الحزب اسرائيليا، وفي الساحة الدولية، شخصية شمعون بيريز الذي أسهم بدرجة كبيرة في مسح الفوارق السياسية والاجتماعية بين الحزب، وبقية أحزاب اليمين، نتيجة تهالكه واستماتته على السلطة، واستعداده دائما لزج الحزب في حكومات ائتلافية مع أحزاب اليمين يكون دور حزب العمل فيها مجرد تلميع سياسات تلك الاحزاب خارجيا ، الأمر الذي استنزف كل رصيده السياسي والداخلي على مدار سنوات، وجاء ايهود باراك ليكمل المهمة ذاتها مع الحكومات اليمينية اللاحقة والتي يقبع حاليا في احداها، أي حكومة بنيامين نتنياهو حيث اختار باراك البقاء في هذه الحكومة رغم معارضة بقية أعضاء الحزب، ولم يتردد في الانشقاق عن الحزب مقابل ارضاء شهوته للسلطة، رافعا الذرائع ذاتها التي طالما تحجج بها بيريز من قبل، وهي انه يستطيع خدمة « عملية السلام» من داخل الحكومة أكثر مما لو كان خارجها.‏

  ويبقى أن نشير إلى أزمة أخرى يعانيها الحزب تمثل ايضا قنبلة موقوتة قد تنفجر في وقت ما خصوصا اذا اختارت رئيسة الحزب الجديدة التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية بدل القضايا السياسية وهي الصراع المستعر داخل الحزب بين  معسكر اليهود من أصول أوروبية غربية (الأشكناز) الداعم لرئيسة الحزب يحيموفيتش ومعسكر اليهود الشرقيين (السفارديم)، فضلا عن الأعضاء العرب بالحزب الذين كانوا يدعمون غريم يحيموفيتش أي عمير بيرتس الخاسر في الانتخابات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية