تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل بات السلام مستحيلاًً في المستقبل المنظور؟

هآرتس
ترجمة
الأحد 9-10-2011
 ترجمة: ليندا سكوتي

في الخطاب الأخير الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة برزت قدراته ومهاراته في التعبير عن حقائق الأمور دونما مواربة أو تضليل

ودون أن يأخذ باعتباره بأن ما ذهب إليه في هذا الخطاب سينصب في مصلحة الفلسطينيين لأنه كشف للعالم بأسره (وبطريقة بزّ بها محمود عباس نفسه) الأسباب التي جعلت الفلسطينيين يتوجهون إلى الأمم المتحدة نتيجة لإغلاق كافة السبل في وجوههم ولم يعد لهم من باب آخر يمكن أن يطرقوه سوى هذا الباب. لذلك علينا أن نستنبط الأسباب مما يقوله نتنياهو. وبأن على الفلسطينيين والعالم بأسره ألا يتوقعوا أي شيء من إسرائيل، أي لا يمكن أن يتوقع الفلسطينيون أي شيء من الحكومة الإسرائيلية.‏

لا ريب بأن نتنياهو يعلم جيدا بأنه ليس ثمة من ساذج أو غبي يمكن أن يأخذ بجدية الأفكار التي دأب على الترويج لها من أن الدولة الفلسطينية ستعرض أمن إسرائيل للخطر (مبررا إدعاءاته بضيق رقعة البلاد ووقوع معظم مدنها على مقربة من الحدود الأمر الذي يعرضها للمخاطر جراء وقوعها على مرمى من القذائف التي يمكن أن تطولها من مختلف الجهات) لكنه في الواقع لا يهدف إلا إلى ضرب الصفح بشكل متعمد عن عقد اتفاق للسلام، وربما يقول ذلك لأنه على قناعة تامة بأن الدولة الفلسطينية لن يتاح لها الظهور إلى الوجود سواء في عهده أو عهد غيره لأن هذا الأمر يدخل في صلب قناعاتنا ودأبنا على نهجه منذ عقود عدة.‏

يتعين على كل إسرائيلي يعتز بنفسه أن يشعر بالخجل والعار من الأفكار التي يحملها رئيس الحكومة والنهج الذي يتبعه خاصة عندما رأيناه يقف أمام العالم بأسره محاولا الترويج لذات الأفكار القديمة البالية وكأنه يحاول التسويق لسلع نتنة فاسدة انتهت صلاحيتها منذ أمد بعيد بلجوئه إلى التاريخ القديم ومحاولة استثارة العواطف والمشاعر الرخيصة مثله في ذلك مثل متسول يحاول عرض الكدمات والجراح التي تعلو جسده سواء أكانت حقيقية أم مفتعلة. لكن متسولنا هذا يمتلك قوة ذات شأن في المنطقة.‏

لا شك بأن نتنياهو في خطبه وواقعه يبدو مستجديا وساعيا لاستدرار العواطف حيث نراه يغفل عن ذكر أي أمر أو ينساه باستثناء الحقائق إذ نجده يذكرنا بإبرهام وحزقيا وأشعيا والمذابح والمحرقة و9 أيلول والأطفال والأحفاد وبالطبع جلعاد شاليط كي يستثير ويحفز فينا عواطف الألم ويجعلنا نذرف الدموع التي لم نرها تنساب على وجنات أحد باستثناء عدد قليل من القابعين في دور العجزة اليهودية في ولاية فلوريدا حيث يمكن أن نجد بعض الأشخاص الذي يتأثرون بخطبه التي دأب على إلقائها.‏

يبدو أن نتنياهو كان بحاجة ماسة للعودة إلى آلاف السنين كي يتمكن من التعتيم على الواقع الذي نعيشه في الوقت الحاضر، في الحين الذي نجد به عباس يثبت لنا يوما إثر يوم بأنه قد أصبح أكثر انفتاحا، لذلك لم يجد من ضرورة لاستدعاء الذكريات القديمة بغية الحصول على التعاطف مع قضيته واقتصر على عرض الأحداث الجارية بهدف خلق واقع جديد الأمر الذي جعل العالم والكثير من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يهللون له لأنه تحدث كرجل يعيش في القرن الحادي والعشرين ولم يتحدث كأحد علماء الآثار في استعراضه للحقب القديمة على غرار ما يفعله نتنياهو في دأبه على عرض موضوع المحرقة والتوراة مما جعل الإسرائيليين يشعرون بالاضطراب والخجل والإحراج. فهل فقدنا ما يمكن أن نقوله للعالم؟ وهل تلك هي فقط الأمور التي تقض مضاجعنا؟ وهل تلك هي وحدها ما يجب أن نعرضه؟ وهل هذا نحن؟‏

ضمن طاولة المبعوثين الإسرائيليين عدد من الأشكيناز كان منهم اثنان من الحاخامات، وجنرالين، واثنان من أصول روسية، وثلاثة من الملتحين وكان منظرهم مثيراً للاستهجان والكآبة، وأوجد لدينا شعورا بأننا مهددون من اليمين الإسرائيلي المتطرف حيث مثّل هذا الجمع الوجه الحقيقي للبلاد التي أصبحت اليوم موضع تنديد من دول العالم. في الحين الذي وجدنا به مندوبي الدول يصفقون بأدب واحترام لما قاله محمود عباس.‏

لقد تم كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل حتى في الداخل حيث لم يكن ليبرمان هو الشخص الوحيد الذي قال: إن خطاب عباس خطاب تحريضي بل نجد أن آخرين يؤيدونه في هذا القول ومنهم تسيبي ليفني (البديلة لرئيس الحكومة) التي لم تتردد في الإعلان عن رفضها لما ورد بالخطاب.‏

لكننا نتساءل عن الأمور التي لم تعجبهم في خطاب عباس (إذا ما أغفلنا عدم إشارته لليهود في ذكره للمسيحيين والمسلمين) إذ نجد أنه لم يعبر في خطاب إلا عن قضايا واقعية على الرغم من كونها مؤلمة مثل احتلال الأرض وعمليات التطهير العرقي في القدس ووادي الأردن ووضع نقاط التفتيش التي تعرقل وصول المرضى إلى المشافي والاستمرار في بناء المستوطنات التي تشكل عثرة أمام السلام. فأين الخطأ في كل ما ذكره بخطابه؟ لكننا مع ذلك نرى فرق المعلقين الإسرائيليين تنبري على الفور لنقد هذا الخطاب ووصفه بأنه بعيد عن الواقع خاصة في ضوء عدم استطاعة الإسرائيليين تفهم رغبات الفلسطينيين في إنشاء دولة لهم.‏

قريبا سنرى القناع يسقط عن وجه نتنياهو الذي سبق له وأن صرح في أحد خطبه عما لديه من أفكار حول إقامة دولتين لشعبين. لكنه بأسلوبه الذي يتبعه سيثبت للعالم بأن إسرائيل لا تريد التوصل إلى اتفاق ولا قيام دولة فلسطينية أو حتى التوصل إلى السلام... لذلك نقول إلى اللقاء في حرب قادمة.‏

بقلم جدعون ليفي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية