تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هكذا تنتهي الحروب!

هآرتس
ترجمة
الأحد 9-10-2011
ترجمة : ريما الرفاعي

ذات يوم قال كونراد اديناور الذي شغل يوما منصب  مستشار المانيا الغربية عبارة لامعة : «التاريخ هو نتاج كل الأشياء التي كان يمكن منعها».

ومن المؤكد أن اديناور فكر في الأساس في حروب نشبت ولم يجر تفاديها، لكنها انتهت ايضا بطريقة أو أخرى.‏

 وحيث أننا نعيش في مجتمع يقع تحت وطأة حرب مستمرة منذ أربعة أجيال يجدر  بالاسرائيليين ان يحاولوا التعلم من التاريخ وكيف تنتهي الحروب. ويمكن لهذا المساعدة في الوصول إلى تقدير واقعي لسؤال كيف يمكن أن تنتهي حرب «المئة العام » بيننا وبين الفلسطينيين. يجدر القيام بهذا التقدير بدل الانشغال بأوهام لا صلة لها بالواقع وهي الوقود الرئيسي الذي يحرك عجلات الحروب منذ بدء الخليقة.‏

ويمكن ان نلاحظ في التاريخ الانساني نموذجين رئيسين لنهاية الحرب: الاول، انتهاء الحرب بإبادة أحد الطرفين للآخر، والثاني بناء على تفاهم بين الجانبين. ويبدو لي ان أكثر الحروب في التاريخ انتهت بصورة هي أقرب إلى النموذج الثاني.‏

ووفق النموذج الاول، تنتهي الحرب حينما يقضي أحد الطرفين على الآخر. وهذا القضاء   هو في أساسه نقض للاطار السياسي عند الطرف الخاسر في الحرب. هكذا مثلا انتهت الحرب بين جمهورية قرطاج والامبراطورية الرومانية، وهذه كانت صورة نهاية الحرب بين مملكة يهودا والامبراطورية البابلية مع خراب الهيكل الاول، ونهاية حرب اليهود للرومان مع خراب الهيكل الثاني.‏

إن الحضور العسكري مع فتور المعارك والذي يعبر عنه احيانا بمعاهدة سلام أو اتفاق على هدنة توقع بين الطرفين، أو استسلام الطرف المهزوم للطرف المنتصر، ليس عاملاً مهما في تمييز ماهية نهاية الحرب. فقد انتهت الحرب العالمية الاولى عندما وقّعت المانيا على صك الاستسلام للدول الحليفة بلا شرط تقريبا وهي التي اعتبرت منتصرة في تلك الحرب. وانتهت الحرب العالمية الثانية ايضا باستسلام المانيا واليابان بشكل مطلق. وبرغم ذلك يبين التاريخ ان العدو الالماني والياباني في الحالتين لم يهزما ولم يتم إبادتهما وفق أي مقياس تاريخي.‏

وتنتهي أكثر الحروب في العالم حينما يتوصل قادة الطرفين إلى ادراك مشترك بأن استمرار المعارك لن يأتيهم بأي فائدة. وفي عدد كبير من الحالات تكون الفائدة المذكورة مكسباً شخصياً ما للقادة أنفسهم. وفي حالات أخرى حينما تحظى أمة بقادة ملائمين تكون الفائدة أمام أعينهم هي مصلحة المجتمع.‏

وكل من يتمتع ببصر نافذ وينظر بعينين مفتوحتين إلى ميزان القوى في الشرق الاوسط، لا يمكنه  الا أن يرى أن اسرائيل في وضع سيىء في حربها على الشعب الفلسطيني، وان الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لا يمكن ان ينتهي بانتصار اسرائيل بحسب النموذج الاول. ولا يصعب التوصل الى هذا الاستنتاج بتقدير وضع استراتيجي – تاريخي وتقديرات عقلانية أساسية. لكن هذا الاستنتاج مبني ايضا على التجربة والحقائق التاريخية نفسها دون أي نظرية.‏

في شهر حزيران 1967 كانت اسرائيل قريبة من وضع تنهي فيه الحرب وفق النموذج الاول أكثر من أي وقت مضى ، وأكثر من أي احتمال يمكن أن تصل اليه في المستقبل القريب. لكن الحرب لم تنته. وفي مقابل هذا فان الجانب العربي  كان له فرصة أيضا ضمن حرب اسرائيل – فلسطين ومن منظور تاريخي أن ينتصر وينهي الحرب بحسب النموذج الاول.‏

 والنتيجة التي نصل اليها هي ان على حكومة اسرائيل ان تعمل جدياً على إنهاء الحرب وفق  النموذج الثاني. ومن أجل هذا يجب عليها أن تعمل على الوصول إلى وضع شرق اوسطي لا يكون فيه لأي قائد عربي وبمن فيهم القادة الفلسطينيون ما يكسبونه شخصيا من استمرار الحرب، ولا يكون لأي واحد منهم حافز شعوري قوي بقدر كاف لبدء معركة أخرى، وهو ما ينطبق أيضا على القادة الاسرائيليين أنفسهم.‏

تستطيع اسرائيل لو اتبعت سياسة متوازنة تعتمد على رؤية استراتيجية بعيدة الأمد ان تخلق واقعاً كهذا  قبل نشوب الموجة الكبيرة التالية من سفك الدماء في الشرق الاوسط. وذلك برغم تصريحات عدائية والتحديات العنيفة التي قد تصدر من بعض أطراف الجانب العربي.‏

واذا تصرفت اسرائيل بحكمة فستنجح في أن تضيف الى مسرح تاريخ اديناور حادثة واحدة كان يمكن منعها وجرى منعها فعلا . لا تزال اسرائيل قادرة ليس على الانتصار، بل على الوصول إلى نهاية حرب المائة عام وفق النموذج الثاني بالطريقة التي انتهت بها أكثر الحروب بين البشر خلال التاريخ.‏

بقلم  ايليا ليفوفيتش‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية