تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المسودة أمّ لنص عاقٍ

ثقافة
الأحد 9-10-2011
باسم سليمان

إن فوقية الإبداع جعلت من البحث عن أسسه, هاجساً, لدى المبدع ذاته والنقاد وهذا ما جعل الآثار التي يخلفها الكاتب وراءه, من مخطوطات ومسودات وملاحظات وقصاصات ورق,

تأخذ أهمية كبيرة في جلاء هذا المتغطرس المسمى الإبداع ونالت المسودات نصيب الأسد في متابعة ومراقبة وتفسير وتأويل الأحداث التي صنعت العمل الأدبي الذي يخرج من مختبر الكاتب إلى العموم كهوية واحدة لا تعترف بأسبقية حدوثٍ لمجموعة من الخطوات, فكثيراً من الكتاب عملوا على إتلاف تلك الإرهاصات الأولى وكأنهم بذلك يريدون أن يوحوا للقارئ, ميتافيزيقية الأدب وكمال وجوده.‏

فلوبير, صاحب مدام «بوفاري» خلف الرحم الذي أنتج تلك التحفة الأدبية, مسودات كثيرة, مملوءة بالتعديلات والإشارات والأسهم الدالة والمحو والشطب و.... وليس وحده من ترك, لكن نجد أن حالة المسودات حالة طارئة على النص الأصلي الكامل الذي لاتأتيه الإرهاصات الأولى والتصحيحات لا من غلافه الأمامي حيث يعنون ولا من غلافه الخاتم وهذا ما نجده قبل انتشار الورق بطريقة رخيصة وقبل انتشار الوسائل الآلية للكتابة في زمن كان الكاتب يملك مسودته في عقله حيث تجري عملية الإبداع وإن صار وكان هناك مسودة فهي مسودات قليلة ونادراً ما تم التوصل إليها.‏

بعد انتشار الكتابة الإلكترونية وتزايدها لدرجة كبيرة بين الأجيال الحديثة, حيث يتحول ملف «الورد» على الكومبيوتر هو المسودة والأصل بنفس الوقت لكن عند التخريج لا نجد للمسودة من دلالة حتى ولو كانت صغيرة, فعملية التنقيح والتصويب والتصحيح تتم لحظة بلحظة وكل ما يتبقى منها كبسة صغيرة ملخصها, حفظ التعديلات الجديدة, إذاً المسودة ليس لها عمر في الزمن الحالي بل فقدت الكثير من خصائصها مثل التشطيب والتصويب بدلالة سهمية والمحو والبقع السوداء أو حتى تمزيق الصفحة وجعلكتها لتستقر في سلة المهملات.‏

للمسودة أهمية كبيرة وخاصة في مراقبة الأثر الواقعي لتطور العمل الأدبي, مما يجعل المقاربة النقدية لمراحل العملية الإبداعية, يؤتي ثماره بالدليل الحسي ولكنها تبقى ضمن, قلة الاختصاص, المهتمة بهذا الشأن, إذ هي ذاتها, عندما تُخرج لنا نقدها تدفعه بالنسخة الكاملة المتنكرة لكل التجارب الفاشلة التي مهدت للنجاح النهائي.‏

ستغيب المسودات نهائياً وسيتربع النص الكامل المطلق معلناً وحدانيته ولن يدير أذناً لمن يقفون على أطلال المسودات, حتى الكاتب صاحب النص سيجد نصه بعد فترة من ولادته وعندما تتسرب لحظات المخاض من ذاكرته يقف أمامه وكأنه ظهر بدفقة واحدة أو منجماً على دفعات من اللوح الموجود في ذهنه ولكنه سيعترف بين وبين نفسه إن هذا المتغطرس هو سليل مسودة ولكن ليس من إثبات إلا سراب تراثي ظهر واختفى ولم يعد من دليل عليه إلا ما تحويه المتاحف أو جامعي تلك الآثار الكتابية.‏

Bassem-sso@windowslive.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية