تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وول ستريت و حصاد الحرب الأميركية على أفغانستان

شؤون سياسية
الخميس 13-10-2011
بقلم: توفيق المديني

شكلت حركة المظاهرات التي قام بها محتجون أميركيون على أداء النظام المالي الأميركي بعدا ً جديداً من خلال «احتلال وول ستريت»(حي المال في نيويورك،

وقلب النظام الرأسمالي العالمي) يوم الخميس 6 تشرين الأول ، الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إلقاء خطاب برر فيه مطالب المحتجين، معتبرًا أنها تعكس إحباط الشعب الأميركي من الأزمات الاقتصادية التي تضرب الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي، فيما بدا محاولة منه لاستغلال تلك الحركة الاحتجاجية لتسجيل نقاط على خصومه في الداخل.‏

ومن الواضح أن حركة «احتلال وول ستريت» آخذة في الاتساع يوماً بعد يوم. فبعد التظاهرة الحاشدة التي تمكن الناشطون من تنظيمها الخميس الماضي في نيويورك، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أن تحركات وول ستريت آخذة في التعاظم في ظل انضمام مندوبين من نقابات بارزة وذات نفوذ في الولايات المتحدة، إضافة إلى انضمام طلاب من جامعات نيويورك إلى التظاهرات البارحة. وتدفق المئات من أنصار حركة «احتلال وول ستريت» إلى واشنطن وهم يرغبون في إشغال ساحة للاحتجاج على الحرب في أفغانستان والآلة الرأسمالية وأيضاً الاحتباس الحراري. ووصل المتظاهرون، وهم يحملون أمتعة النوم، الى «ساحة الحرية» بين الكابيتول والبيت الأبيض ووزارة الخزانة.‏

و«ساحة الحرية» في واشنطن لها تاريخ عريق إذ استخدمها القس مارتن لوثر كينغ في عقد الستينيات من القرن الماضي عندما كان يقود حركة الدفاع عن الحقوق المدنية للسود، لكن اليوم «ساحة الحرية »يؤمها المناهضون للعولمة الرأسمالية المتوحشة ،و للحرب الأميركية على أفغانستان في ذكراها العاشرة باعتبارها أطول حرب في التاريخ الأميركي، إذ أصبح الشباب الأميركي يربط بين قرار الغزوالأميركي لأفغانستان في7 أكتوبر 2001 ومصالح «وول ستريت» والركود الاقتصادي.‏

حسب ما ذكره موقع إلكتروني متخصص لجامعة براون فإن تكلفة حربي العراق وأفغانستان تتجاوز 1،26تريليون دولار وتتجزأ إلى 798 مليار دولار للعراق و461 مليار دولار لأفغانستان. ومع وصول إدارة أوباما إلى الحكم، ارتفعت التكلفة السنوية لحرب أفغانستان من 59،5 ملياردولار عام 2009 إلى 106،6 ملياردولار في العام 2010 و 122 ملياراً عام 2011. ويركز الموقع الالكتروني «Cost of War» على إن تكلفة حرب العراق حتى الآن كان يمكنها أن تغطي كافة مصاريف خطط الانتعاش الاقتصادي التي أقرتها الإدارة عام 2009 .‏

منذ بداية الغزو الأميركي لأفغانستان في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2001 هيمنت أجواء الحرب الأميركية على الإرهاب من خلال عملية حشد الجيوش التي قامت بها حكومة الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها الدوليون ،وهي اكبر عملية حشد قامت بها حكومة الولايات المتحدة الأميركية بعد حرب الخليج الثانية واكبر عملية حشد عسكري دولي منذ الحرب الفيتنامية.‏

وكانت المهمة المعلنة من قبل إدارة بوش السابقة ، على الأقل، واضحة: الانتقام من تنظيم «القاعدة» المسؤول عن هجمات 11أيلول 2011، ومعاقبة نظام «طالبان»الذي كان يحتضن «القاعدة».وعلى الرغم من سقوط نظام «طالبان» في الخريف عينه من بداية الحرب ، و انتقال مركز تنظيم «القاعدة» إلى ملاذات أخرى ، كالعراق ، و اليمن ، و الصومال، و باكستان ، فإن الرئيس السابق جورج بوش حول الغزو من عمل عسكري محدود للتخلص من «القاعدة» ونظام«طالبان»، إلى عملية إعادة بناء للدولة والمجتمع في أفغانستان وإنشاء نظام يشاطر الولايات المتحدة قيمها،و هو ما قاد إلى بداية تشكل المأزق الأميركي الطويل في أفغانستان.‏

وتعتبر الاستراتيجية الأميركية الجديدة«الآفباك» التي يتبناها الرئيس الأميركي باراك أوباما، كنقيض للتسمية التي كان يستخدها سلفه بوش«الحرب على الإرهاب»، أن القضاء على مصدر الإرهاب الذي يمثله تنظيم «القاعدة» ، و القوات الأصولية المتشددة الباكستانية على الحدود الأفغانية - الباكستانية يشكل أحد أهداف الولايات المتحدة الرئيسة في مكافحة الإرهاب، لأنه « تتوافر لدى المسلحين ملاجئ آمنة على الحدود الأفغانية - الباكستانية»،مضيفاً: «لذلك لدى أميركا هدف واضح، وهو تفتيت القاعدة، وإلحاق الهزيمة بها في هذه المنطقة».‏

و إذا كان هناك قطيعة في المقاربة الأميركية، فإنها تكمن على وجه الخصوص في التقديرات الأكثر واقعية للحقائق الإقليمية: جذور النزاع اِلأفغاني يتموقع في باكستان بشكل واسع، حيث أقامت قيادة «القاعدة» أسامة بن لادن و ايمن الظواهري، وزعماء «طالبان» قواعدهم في الملاذات الآمنة في تلك الجبال الوعرة على الحدود الباكستانية- الأفغانية، حيث يخططون للهجمات في أفغانستان .وشدد الرئيس أوباما في استراتيجيته الجديدة في نهاية عام 2009 على أنه لا يمكن فصل أفغانستان عن باكستان، و على حتمية بذل جهود دبلوماسية حيال باكستان و تعزيز قدراتها على مواجهة «القاعدة» على حدودها، وأيضاً تعزيز إمكاناتها على تحسين معيشة شعبها، وكشف أن مساعدات مالية إضافية ستقدّم الى إسلام آباد لكنها مشروطة بتحسن مكافحة الإرهاب، مؤكداً انه سيحضّ الحلفاء على تقديم مساعدات اقتصادية لهذا البلد.‏

بعد عقد من الزمن،ماذ ا كانت حصيلة الغزو الأميركي لأفغانستان ؟لقد أطاحت القوات الأميركية سريعاً بنظام «طالبان»، وخاضت حرب استنزاف طويلة ضد «القاعدة» و«طالبان» أدّت في 11أيار الماضي بعد عقد من الزمن تقريبا على الغزو إلى مقتل زعيم «القاعدة» اسامة بن لادن. خلال الأعوام العشرة الماضية ولا سيما منذ وصول الرئيس باراك اوباما إلى البيت الابيض، تخلصت الولايات المتحدة من عشرات قادة «القاعدة» و«طالبان» في أفغانستان وباكستان من خلال الهجمات التي تقوم بها طائرات من دون طيار، وهي هجمات، على رغم فعاليتها العسكرية، الا أنها جلبت معها توتراً جديداً في العلاقات مع باكستان وحتى افغانستان بسبب الخسائر البشرية التي تصاحبها بين وقت وآخر.‏

وبعد عشر سنوات من الغزو الأميركي لأفغانستان ، خلفت تلك الحرب 1800 قتيلاً في صفوف الجنود الأميركيين، وعشرات آلاف القتلى من الأفغان ، إضافة إلى قرار أوباما سحب أكثر من 30 ألف جندي من أفغانستان في نهاية السنة المقبلة .ومع ذلك، يظل الهاجس الأكبر الذي يساور معظم الأفغانيين في الوقت الحالي هو التداعيات التي قد تنجم من عملية انسحاب القوات الأميركية والمقرر له بنهاية عام 2014 والذي ستغادر بموجبه الغالبية العظمى من القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي الأفغانية والتي يصل قوامها إلى150000جندي.‏

ضمن هذا السياق ،قال الجنرال المتقاعد ماكريستال إن الولايات المتحدة قد بدأت الحرب برؤية تبسيطية مخيفة عن أفغانستان، مشيراً إلى أن الجيش الأميركي يفتقر إلى المعرفة الكافية بالأمور الداخلية في أفغانستان واللازمة له لإنهاء الصراع الدائر في البلاد لصالحه.وأضاف ماكريستال خلال كلمته أمام مجلس العلاقات الخارجية أن نسبة تحقيق الولايات المتحدة الأميركية وقوات حلف شمال الأطلس «الناتو»أهدافهم المنشودة في أفغانستان لا تتعدى % 50 مستطرداً في حديثه قائلا « لم نعرف المعلومات الكافية ومازلنا على هذه الحالة حتى هذه اللحظة. فمعظمنا، بما فيهم أنا شخصياً، لديه فهم واستيعاب سطحي للموقف والتاريخ كما أنه كان لدينا رؤية تبسيطية مخيفة عن التاريخ الحديث في الخمسين عاماً الأخيرة.وتجدر الإشارة إلى أن الجنرال ستانلي ماكريستال كان قد قاد إستراتيجية «التصعيد» التي بدأت في عام 2009 وقام برفع مستويات القوات الأميركية في أفغانستان إلى ما يزيد على 100.000 جندي. إلا أن ماكريستال قد أجبر على تقديم استقالته العام الماضي على خلفية تصريحات كان قد أدلى بها إلى مجلة رولينج ستون أبدى فيها تهكمه من مسؤولين أميركيين، ومن بينهم نائب الرئيس جو بايدن.‏

 كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية