تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ندوة ناقد ومبدع..صالــح هـواري.. يحفــر قصائــده في صخـر التـراث حفاظاً على الهوية

ثقافـــــــة
السبت 15-10-2011
فادية مصارع

في بلدة سمخ على شاطئ بحيرة طبرية ولد الشاعر الفلسطيني صالح هواري عام 1938 وهو عضو في جمعية الشعر، فاز بجوائز عدة، كتب الأغنية والمسرحية الشعرية للأطفال، سخر قلمه لفلسطين التي أحب، وعن أرضها سلخ طفلاً صغيراً، رهن حياته وكل شيء فيها للوطن للقضية فليس لديه للروح ثمن فهي للأرض الأبية.

للحديث عن تجربته الشعرية وخاصة ديوانه الأخير لاتكسري الناي عقدت ندوة ناقد ومبدع في المركز الثقافي (أبو رمانة) شارك فيها الشاعر والناقد د. خليل موسى.‏

قصائد ومقتطفات‏

بدأ الندوة الشاعر صالح هواري بقراءة بعض أبيات شعر من قصائده التي ترافقت مع موسيقا مناسبة فأشجت الحضور كلماته وإلقاؤه المميز، وخصوصاً القصائد التي تحدث فيها عن الوطن فردوسه المفقود ولو إلى حين إن شاء الله، ومما قرأ أقتطف:‏

بلادي!! لحزنك طعم الغيوم‏

إذا اشتعلت في ثياب الصحارى‏

أنا الطير في قفص من رماد‏

بجمرك أنت أفكّ الحصارا‏

بمن أحتمي وقناديل أهلي‏

على خشب الليل تهوي احتضارا‏

جدائل مريم عند اليهود‏

مكبلة تستغيث الحجارا‏

لماذا إذن سلموها وباعوا‏

دياراً من الورد كانت ديارا‏

على عطرها ساوموهم وقالوا‏

فقدنا القرار، عجزنا مرارا‏

وقرأ قصيدته «غلطة الحب» بعد بلوغه السبعين و(لا تكسري الناي) القصيدة التي تحمل عنوان مجموعته الأخيرة موضوع النقد.‏

الترميز وذاكرة الينابيع‏

تحدث د. الموسى بداية عن اتجاهات الشعر منذ عصر النهضة إلى ينابيع مختلفة بهدف الخروج من الحالة المرضية التي وصل إليها الشعر العربي شكلاً ومضموناً، ففي المضمون يمكن أن يتوقف المرء عند القصائد التي سميت بـ (البرذونيات) ويمكن أن يتوقف أيضاً عند أشكال هزيلة لا تعد ولا تحصى، كأن تكون القصيدة ذات نقاط أو من دونها، أو أن يقرأ البيت من بدايته إلى نهايته كما يقرأ من نهايته إلى بدايته وأشكال أخرى من هذا القبيل، وخاصة في المحاسن البديعية، فذهبت التجربة وبقيت الصناعة الجافة الباردة، ولذلك اتجه شعراء عصر الإحياء إلى العودة للشعر العربي في عصر الفحول للمحافظة على الرصانة وجزالة الأسلوب وحلاوة النغم وتدفق الإيقاع بالمعنى النبيل الشريف، واتجه قسم آخر من شعراء العربية إلى الشعر الفرنسي لاستلهام ما يناسبنا في تجديد شباب الشعر العربي، ومنهم مطران وأبو شبكة وسعيد عقل ويوسف غصوب، وصلاح لبكي، فإذا بأصوات دي موسيه وفيني وهوغو ولامارتين وبودلير وفاليري تتلاقح مع أصوات المتنبي والبحتري وأبي تمام والشريف الرضي في أصوات هؤلاء الشعراء، وكذا شأن قسم آخر من الذين اتجهوا إلى إليوت كالسياب ويوسف الخال، واتجه قسم ثالث إلى ينابيع ثقافة المقاومة، وخاصة لدى الشعراء الفلسطينيين، ويمكن أن يرى المرء أصوات نيرودا ولوركا وإيليوار في شعر درويش وأبو عفش والماغوط ويوسف الخطيب وصالح هواري على تقارب في الموضوع واختلاف في الشكل، فالفرق بين شعر الخطيب «زينونة فلسطين» ومحمود درويش في التقانة التي كان يستخدمها كل منهما من جهة، وفي الايديولوجيا التي ينتمي إليها هذا الشاعر وذاك من جهة أخرى.‏

فلسطيني بامتياز‏

بعد التفصيل عن تأثر الشعراء العرب بالتجارب الغربية، يبين د. الموسى أن الشاعر صالح هواري هو صلة الوصل بين محمود درويش ويوسف الخطيب، فقد اختار لنفسه الوسطية والهوية، فهو شاعر فلسطيني بامتياز، وحداثته ليست مجلوبة من الخارج لأنه يعمل داخل البيت التراثي والهوية الثابتة، وفي شعره آلاف الأمثلة تؤكد ذلك، وإذا كان الشعر تعبيراً عن حال أو مناخ، فهو في شعر هواري ومعه خالد أبو خالد ليس تجريباً ولا تغريباً، ولكنه حفر في التراث لتعميق الهوية الفلسطينية، ولذلك - يضيف الناقد - نجد هواري يكتب ضمن البلاغة العربية، ولا يخرج عن طاعتها، يكتب الشعر الخليلي وشعر التفعيلة ويضحي أحياناً بفرادة الصورة لمصلحة الإيقاع، ويعوض عن ذلك بمحاولاته استخراج الدهشة من الصخور، على الرغم من أن القارئ ربما يواجه بعض التصريحات الشعرية التي يذهب فيها الشاعر إلى أنه ثائر على الصور القديمة، وهذا يتجلى في قصيدته تقادم صمت الرياح ومنها المقطع التالي:‏

لابد من هزة فاجرة‏

تخلخل نار مكبلة في الجليد‏

وها أنذا أتطاير موتاً جريئاً‏

وأغزو النصوص الهزيلة‏

في عقر أوزارها‏

يا جناح القصيدة خذني‏

لأهدم تلك التشابيه‏

مسبقة الصنع‏

والصور الناجزة‏

لا تكسري الناي‏

«لا تكسري الناي» حسب رأي الناقد خليل الموسى، عنوان ترميزي وهي القصيدة محل النقد، على الرغم من أنه مأخوذ من عنوان إحدى قصائد هذه المجموعة، ولكن ما يدعمه في عملية الترميز من قصائد وصور ناطقة، فالخطاب في العنوان موجه إلى أنثى، بدليل ياء المؤنثة المخاطبة في الفعل، وهو يشير إلى حبيبة، ولكنها تصح على الأم والأخت والبنت، كما أنها تصح على الحبيبة، ثم إن هذا الترميز ينسحب إلى أي مؤنث حقيقي ومجازي كالأرض أو الوطن أو الأمة أو الهوية، ولذلك جاءت لوحة الغلاف عامة تجمع هذا إلى ذاك، مع أن دار النشر (اتحاد الكتّاب) أهملت ذكر اسم صاحب اللوحة الذي رسم وجه امرأة فلسطينية ذات ابتسامة مشرقة بغد قريب، وهي ترتدي حطة فلسطينية، وصدارة لا تقل دلالة عن الحطة، بين يديها أشغال يدوية نسائية فلسطينية، وإلى جانبها السراج الفلسطيني المعهود، وعلى الحائط طبق من القش الفلسطيني الذي صنعته يداها، وألوان اللوحة احمرار وضياء وكأنه يشير إلى أنه بعد انبثاق الدم الفلسطيني الطاهر سينبلج النهار.‏

وفي كل مرة يؤكد الناقد أن هواري لايخرج عن البيت التراثي وبما أنه وسطي فإنه ليس بعيداً عن شعر الحداثة، وهو واحد منهم ولكنه الأقرب إلى التراث والأكثر بعداً عن التجريب لخوفه على الهوية، ومن هنا كانت مفردات، الحديقة -الطائر - الخفافيش - الجنادب - العصافير - هنية، في قصيدة «جريح تراب حديقتنا» ثماراً ترميزية قريبة من فهم القارئ وثقافته، وهي تتدلى ضمن السياق النصي وتتوافد بيسر ومرونة ومنها:‏

جريح تراب حديقتنا‏

من يضمده بنزيف‏

من الورد والليلك؟؟‏

وأنا طائر يحتطب النور في غابة صدئت‏

الهواء تصدع تحت جناحي‏

والموسم الصعب يدعو إلى الضحك‏

شر البلية ما‏

يشعل الدمع في القلب.. لا تضحكي‏

كل تلك الخفافيش قامت‏

لتصنع من معطف الليل‏

منفضة للخراب‏

وعن ذاكرة الينابيع وهي واحدة من قصائد المجموعة يقول د. الموسى: لذاكرة الينابيع نصيب أكبر وأكثر تنوعاً في قصائد هذه المجموعة بدءاً من حضور صورة الوطن (فلسطين) إلى حضور التجارب الذاتية التي يمر بها الشاعر في حياته اليومية، ففي قصيدة «هي الآن تصعد» صورة للشهيدة ريم صالح التي فطمت ابنها ثم ذهبت لتفجر نفسها فداء لفلسطين التي نراها حاضرة في قصائد الحب، وخاصة في النهايات إذ تتحول الحبيبة إلى ذات فلسطينية وهو ما نجده في قصيدة «صمت الرياح» و قصيدة «أم ريم» فهو يخاطب حبيبته «لا تجهشي بالبكاء» بما يحب من الذاكرة الفلسطينية.‏

تجارب ذاتية‏

ويتحدث د. موسى عن أن للشاعر هواري تجارب ذاتية كما لسواه من الشعراء يحضرها من ماضيه وحاضره ومنها قصيدته التي نظمها في زوجته الحمصية وعنونها بـ «أربعاء الورد» وثمة قصائد أخرى تروي لنا بعض ما تعرض له الشاعر في مسيرة حياته كقصيدة «على بعد قرنفلة مني» التي نظمها بعد تعرضه لأزمة قلبية، وقصائد أخرى خالصة للحب ومنها «غوتني عن الورد بسمته» و«كوني نسيماً» والأجمل من ذلك أن تتحول التجربة الذاتية إلى وطنية كما فعل الشاعر في قصيدتيه «تذكرت من يبكي عليّ» و«ها أنت جئت» التي تدحض ما ذهب إليه هواري من الاكتفاء بامرأة واحدة من النساء فها هو يعود إلى حظيرة الشعراء الذين يبحثون عن الجمال وإن كان بعيداً عن العش القديم.‏

إهداء‏

ويتوقف الناقد عند صفحة الإهداء ومنها ندرك أن الشاعر على الرغم من سويعات الفرح والراحة متعب ومرمي في أحضان اللامبالاة، فالناس حوله يسيرون باتجاه مصالحهم وهو الوحيد الذي يتصدى لذلك ويتشكى ممن يسمون أنفسهم أصدقاء وما هم إلا أصحاب مصالح كما جاء في قصيدته «لو لم أكن ثمراً» وفيها يعترف بشيخوخته على طريقة البارودي ومطران، وإن كانا أشد التصاقاً منه بالذاتية والألم الدفين وهو لا يندم على الصحة والجمال والشباب والطيش كما فعلا وإنما يندم على الحياة الرتيبة التي عاشها:‏

أغف على ثواني العمر نهباً‏

فتهرب من يدي وتطير مني‏

وكم هربت طيور من شباكي‏

لأني لم أبادرها.. لأني‏

ندمت على التأني في شباب‏

مضى.. إن الندامة في التأني‏

وكما بدأ الندوة بالشعر ختمها بمسك قصائد مجموعته «لا تكسري الناي».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية