|
ثقافـــــــة ملاحم وأساطير أوغاريت سبقت الميثيولوجية الإغريقية بمئات السنين فهل ندرجها في دراساتنا المسرحية كبداية للمسرح، أو على الأقل للمظاهر المسرحية ؟ ولانتناساها كما هو حاصل ٌ حاليا ً. عندما يتحدث المهتمون عن بداية المسرح العالمي فإنهم غالبا ً مايبدؤون بالميثولوجية الإغريقية، متناسين كليا ً السورية، ولهذا أسبابه. وعندما يتحدثون عن المسرح العربي فهم غالبا ً مايلجؤن إلى التورية و(الظواهر المسرحية عند العرب)، مبتعدين قدر الإمكان عن الواقع الحقيقي، متهربين قدر إمكانهم من الاعتراف بأن هناك ميثولوجية عربية، أو سورية، وكأن الميثولوجية بأسبقيتها للدين الإسلامي تشكل اتهاما ً باللاتدين أو الشرك، متناسين أن هذه الميثولوجية بأشكالها المتطورة هي روح التوحيد، والذي وصل إليه الإسلام بعد العديد من الرسالات الدينية.
إن الميثيولوجية الإغريقية بمختلف فروعها ظهرت إلى العالم بالشكل الذي وصل إلينا اليوم في القرن الثامن قبل الميلاد، وتنوعت بين الملحمة والأسطورة، وكان أبرز أمثلتها (هوميروس) وأبرز انتاجاتها الإلياذة والأوديسة، ومنها تدرج الإغريق في تطوير فن الدراما (ملهاة ومأساة) في بدايات القرن الخامس ق.م. وكان أبرز المساهمين في نهضة المسرح (سوفوكليس، يوروبيدس، وأريستوفانيس) ومنهم بدأ التطوير الحقيقي للمسرح، وظهرت الدراما. (الميثولوجية السورية) من أساطير وملاحم نشأت وانتشرت في منطقتنا من مصدرين رئيسيين هما - سومر- وأوغاريت - ولنكن أكثر تحديدا ً فهي أقدم من الإغريقية بمئات السنين، هذان المصدران هما: 1- جلجاميش السومرية. 2- والبعل، الأوغاريتية. السبب الأكبر لعدم انتشار (الميثولوجية السورية) أنها كانت مدفونة ً تحت التراب، أي أنها لم تكن بين أيدي الناس، حتى جاء الزلزال الأول فقد ظهرت جلجاميش في أيلول 1872، وأوغاريت في نيسان 1929 لذلك ارتأى الكثيرون ضرورة إعادة النظر في سير التاريخ، وبأن جلجاميش تسبق التوراة فكرا ً وفنا ً وتاريخا ً، لكن الجو العام لم يكن كذلك بالنسبة لأوغاريت، أو لنكن أوضح فإن الدراسات التاريخية استفادت من الكشف بينما لم تفعل ذلك الدراسات المسرحية. (الميثولوجية السورية) هي تفسيرٌ أو تخيلٌ، ومحاولة سيطرة على قوى الطبيعة، ومعرفة هذه القوى، التي يبدو أنها كانت تترك آثاراً سلبية في بعض الأحيان على حياة السكان. كما كانت الإرهاصات الأولى للثقافة، والفكر، والدين وبالتالي فقد كان من الممكن أن تتطور، لتشكل نواة مسرح ٍ عربي ٍ متطور ٍ. ملاحم وأساطير أوغاريت ملاحم وأساطير أوغاريت لم تختلف عن الملاحم السورية في إطارها العام، بل تزيد عليها في تأثرها أحياناً بالأدب والفن والدين المصري لما كانت عليه العلاقات الحسنة في تلك الفترة، وخاصة فترة تدوين هذه الملاحم والأساطير في عهد الملك: (نقماد الثاني 1370ــــ 1340 ق.م). وجدت ملاحم وأساطير أوغاريت محفورة على عشرين رقماً فخارياً، وهي تشكل ست قصائد مستقلة، منها أربع ملاحم تتحدث عن الآلهة، وأسطورتان يلعب فيهما البشر دوراً رئيسياً. دونت هذه القصائد في عهد الملك نقماد الثاني، عن رواية الكاهن الأكبر في أوغاريت – أتينبرلانو- وبخط الكاتب – إيلي ميلكو. دورة البعل سبع لوحات، ليس هناك اجتماع على ترتيبها، حيث يختلف بعض الدارسين في ذلك، وهي تتحدث عن موت البعل، وبعثه من جديد، من خلال صراعه مع - موت- وتجسد القصيدة دورة الحياة في الطبيعة، أي توالي الفصول، وما يرافق ذلك من تحولات: أمطار، جفاف، خصب، قحط... الصراع الطويل بين - البعل- و- موت- ينتهي لصالح- موت- دائماً، وهذه هي طبيعة الحياة، لكن بعد الموت - في نظر الأوغاريتيين - هناك أيضاً: البعث. مولد الآلهة (مولد الفجر والغروب) وصلت هذه القصيدة على لوحة واحدة، محفورة ً على الوجهين. وإذا كانت - دورة البعل - تصف دورة الحياة في الطبيعة، فهذه القصيدة تتحدث عن «إيل» رب الأرباب المسبب في الخصوبة والعقم في الوقت نفسه، فهو خالق الخلق. زواج القمر (أنشودة ننكال) في هذه القصيدة يرى الأوغاريتيون علاقة ً بين الخصوبة البشرية، ودورة القمر اليومية والشهرية،أعتقد أن هذه الفكرة مهمة جداً لدراستها في العصر الحديث- والقمر عندهم مركب من زوجين: «ننكال» الأنثى، و»يرح «الذكر، حيث يتقابل الإثنان عند الغروب وينجبان طفلاً. الرفائيم وهي عبارة عن ثلاثة كسر من ثلاث لوحات، وقد اصطلح علماء الأوغاريتية أن يعتبروها، مؤقتاً، ملحقاً بأسطورة- أقهت- حيث يزور الرفائيم دانييل على بيدره، ويقدم لهم تيناً وتفاحاً وربما كانت جزءاً من – دورة البعل – حيث يرد فيها خبر تتويج البعل. أقهت بن دانييل أربع لوحات ناقصة وكثيرة التشويه، تمثل أسطورة أقهت. القاضي العادل دانييل له ابنة اسمها – فوغة- لكن لا ولد ذكر له، يدعو رب الأرباب الذي يستجيب لدعواه وتحمل زوجته، وتضع صبياً يسمى -أقهت- عندما يصبح -أقهت- شاباً وقوياً- يحصل من- كوثر خسيس – على قوس رائع، تغار منه- عناة- ربة الصيد، تحاول الحصول على قوسه مقابل وعود كثيرة ولكنه يرفض كل وعودها: لذلك تقتله بمساعدة مجموعة من الأشرار، لكنها تخسر كل شيء حيث يسقط القوس ويضيع في البحر، مما يؤدي إلى إحلال القحط في الأرض، تبدأ محاولة- فوغة- الانتقام لأخيها، لكن التشويه ينهي القصة..... ونفترض بأن النهاية ستكون على الشكل التالي: في الأسطر الضائعة تصل - فوغة- إلى مكان الأشرار، وتنتقم من زعيمهم – وطفان- الذي يعترف بقتله لــ أقهت- وبعد أن تثأر لأخيها ترتاح روحه، ويعود الخصب إلى الأرض بعد سنوات سبع عجاف. كارت بعد الغزو الذي تعرضت له مملكته، يزحف (كارت) باتجاه العدو يحاصر مدينتهم (أدوم)، لمدة ستة أيام، في اليوم السابع يتفق الطرفان على الصلح، ويزوجه ملك أدوم ابنته. الملك- كارت – الذي يهمل أهله ورعاياه، يرعاه إيل، ويزوجه من أجمل بنات الأرض، حيث يبارك زواجه، لكن - كارت - لايحفظ العهد، ويستبد بالشعب، لذلك عندما يصبح على فراش المرض، ولا يستطيع بعد القيام بواجباته، يطلب ابنه منه أن يتخلى عن العرش. إذا ً لابد من عملية انتقائية يتم فيها تحديد النصوص «الملحمية» - والتي سنطلق عليها من الآن فصاعدا ً «المسرحية» - حيث ستكون الغاية النهائية من الدراسة إعادة صياغة المسرح الأوغاريتي، وحسب قابليته لذلك،إلى ثلاثة محاور رئيسية هي: البعل، أقهت، وكارت. إن هذه المحاورالثلاثة (المسرحيات) تعكس إلى حد ٍ كبير ٍ مضمون وشكل الأدب الأوغاريتي، حيث صيغت بشكل يسهل على الباحث العمل فيها، وإعادة صياغتها، بينما البعض الآخر من قصص أوغاريت لا يحقق هذه الغاية. بمعنى أدق: ما وردنا من مسرحيات أخرى لايسمح لنا بتكوين صورة واضحة عنها، ويعتقد أن بعضها، رغم مسمياته جزء ٌ من كل، وهو غير واضح، بينما - ورغم التشوهات والنقص - تقدم لنا المسرحيات الثلاثة المذكورة أساسا ً يمكن العمل عليه، ومن ثم إعادة صياغته في «رؤية جديدة للأدب الأوغاريتي». إن مسرحيات: البعل، أقهت، وكارت. شكلت بالنسبة لي مجالا ً حيويا ً من أجل إعادة دراسة الأدب الأوغاريتي من خلال المكتشفات الأثرية الحديثة، وما توصل إليه العلماء من تفسير ٍ لهذا الأدب، تجاوز على الأقل المحاولات الأولية للذين اهتموا بهذا الجانب من حضارة أوغاريت. كما تمكنت من خلال ذلك من إعادة صياغة (تأليف) هذه المسرحيات، مصنفة ً بأعمال ٍ ثلاثة: كارت - أقهت - بعل صافون - حيث أخرجها لؤي شانا للمسرح القومي باللاذقية، وعرضت في مهرجان ملامح أوغاريتية. |
|