تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مسلسل أميركي طويل

آراء
الخميس 20-10-2011
د. هزوان الوز

منذ أكثر من خمسة عقود لم تتغير الأهداف، وبالتالي الاستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية أو الشرق أوسطية، حيث يلخص الدكتور «ابراهيم أبراش»

الأهداف الاستراتيجية لأميركا استناداً إلى العديد من تقارير مراكز الدراسات العالمية، ومن أهم هذه الأهداف:‏‏

- الهيمنة على نفط المنطقة العربية، أو منع أي دولة عدوة لأميركا من السيطرة عليه.‏‏

- تفتيت، أو بلقنة دول المنطقة العربية.‏‏

- الحفاظ على إسرائيل قوية ومتفوقة على كل الدول العربية.‏‏

- الحيلولة دون توحيد الصف العربي.‏‏

- حماية ودعم الأنظمة الصديقة والحليفة للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، سواء بطريقة مباشرة، أو طريقة غير مباشرة.‏‏

- ربط دول المنطقة بشبكة من المعاهدات والاتفاقات الأمنية، وإقامة قواعد عسكرية داخل المنطقة.‏‏

في ضوء ذلك عانت الأمة العربية منذ عقود من وطأة الهيمنة الأميركية المباشرة في بعض أقطارها، ومن فعالية النفوذ الأميركي غير المباشر في بعضها الآخر، وقد وعت الشعوب العربية بأن الأولوية هي لخلاصها من هذه الهيمنة وهذا النفوذ ففي معرض رد فعل الإدارة الأميركية على ما حدث في تونس ومصر، صرح الرئيس «أوباما» في الخامس من آذار الماضي بما يلي: «ينبغي على القوى التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك أن تتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل»! أما المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض فقد قال: «أيّاً كانت الحكومة المصرية المقبلة فإننا نتوقع أن تلتزم بمعاهدة السلام الموقعة مع إسرائيل»!!‏‏

وبدوره قال رئيس «المعهد الجمهوري الأميركي» الذي يرأس مجلس إدارته المرشح الجمهوري للرئاسة «جون ماكين» في كلمته أمام لجنة الشؤون الخارجية ما يلي: «عندما تكون لنا علاقات مع حكومات مستبدة، فإنه لمن المهم أن نخطط لليوم الذي تسقط فيه هذه الحكومات، وأن نرعى ونغذي من يخلعوها.. ينبغي أن يكون لنا تواجد في هذه البلدان، ببناء المؤسسات الديمقراطية، وبتوفير البيئة المساعدة للأحزاب السياسية وللمجتمع المدني، كي يتمكنوا من التنظيم والإعداد تمهيداً لأخذ دورهم في الانتخابات.‏‏

لقد اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية في علاقاتها مع دول العالم على إرساء بعض الاستراتيجيات الخفية التي تمكنها من إبقاء هيمنتها، وبالتالي الإبقاء على مصالحها مصانة محفوظة ودون أن تكون مضطرة في كل مرة إلى افتعال نزاع أو الدخول في مواجهة حتى ولو كنت دبلوماسية فهي تحاول أن تظهر بمظهر الدولة الراعية لمصالح العالم والراعية لأمنه وسلامته، والساعية لنشر قيم العدل والمساواة بين الشعوب والدول، وتضع الولايات المتحدة الأميركية هذه الاستراتيجيات خدمة لمصالحها دون أن تثير حولها الريبة والشك، ومن بينها استراتيجية التفتيت والتقسيم، واللعب على وتر العرق أو المذهب أو الدين، أو حتى الاختلاف السياسي، معتمدة في ذلك على جملة من الخطوات أو العمليات مثل إذكاء نار الفتن أو شن الحرب النفسية عبر إعلام مضلل، عنوانه العريض الإشاعة وبث الأنباء المفبركة والكاذبة التي من شأنها أن تزيد الاختقان، إضافة إلى إشعال الحروب السياسية المستمرة، عبر دعم المنشقين سراً ودعم طروحاتهم عبر الوسائل الإعلامية المسماة زوراً وبهتاناً المستقلة والمحايدة، والترويج لهم ولأفكارهم عبر حملة منظمة.‏‏

كما تعمل على افتعال أزمات اقتصادية عبر التلاعب بأسعار النفط، وسعر صرف العملة الأكثر تداولاً في الأسواق، وخلق طابور خامس من العملاء عبر شراء ذممهم وإطلاقهم فيما بعد كجواسيس دورهم التحريض على الفتن واللعب على وتر العرقية والطائفية.‏‏

والأخطر من ذلك ما تقوم به من اغتصاب العقول، فإذا كانت حقبة الاستعمار العسكري للأوطان قد اتسمت باغتصاب الأرض، فإنه وفي عصر العولمة قد اتسم باغتصاب العقول، لما لهذا الاغتصاب من ميزة تتفوق على كل عوامل السيطرة والهيمنة وقد سعت الدول الغربية عامة وأميركا خاصة، إلى السيطرة والهيمنة معتمدة في هذا الجانب على إبراز سمة العلم والدراسات العلمية حتى تصل إلى العقول بسهولة ويسر فتحتلها بمعارف ونظريات ظاهرها العلم والمعرفة وباطنها العمل على إعادة تشكيل البديهيات وإعادة تشكيل جغرافية الوطن ومثال ذلك دراسة عنوانها: «الأصول العرقية للشعب المصري» والمقدمة من طرف المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة ولا يحتاج قارئ هذه الدراسة إلى ذكاء كبير ليكتشف أنها تسعى إلى تفتيت الشعب المصري على أساس إثني وطائفي، والعمل على إقناع العقل المصري بأن مجتمعه غير متجانس، وأنه غير قابل للتعايش السلمي، والكثير الكثير من الدراسات التي اهتمت بدراسة المجتمعات في الوطن العربي والإسلامي سعت إلى نفس الهدف ومنها دراسة عنوانها: «الأقليات في الوطن العربي واتجاهاتها السياسية» ما يدل بوضوح عن نية مثل هذه المراكز لاغتصاب العقول وتفتيتها كمقدمة لتفتيت المجتمعات والبلدان العربية.‏‏

وكل ما ذكر وأكثر لا يتم بشكل مباشر ولا بدعم واضح وصريح من الإدارة الأميركية وإنما يتم عبر منظمات ومؤسسات غير حكومية تخفي أهدافها الحقيقية، ومن أهمها (هيئة الديمقراطية الأميركية) المعروفة اختصاراً بـ NED، و(الوكالة الأميركية للإنماء) وأخطرها ما يعرف بشبكة التدخل الأميركي (Stay - behind) إضافة إلى استخدام الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ومؤسسات الإعلام الكبرى وشركات العلاقات العامة.‏‏

وتلخيصاً للاستراتيجية الأميركية الخفية والجديدة إزاء ما يحدث الآن، فلنتمعن في قول السناتور «جون كيري» المرشح الأسبق للرئاسة الأميركية: «إن تأييدنا لثورات المنطقة العربية يجري على ضوء ما يحقق مصالحنا» فهل من مدقق ومعتبر؟!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية