تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خليك بالبيت

اضاءات
الخميس19-3-2020
شهناز فاكوش

غنت فيروز خليك بالبيت، كأني أسمعها لأول مرة سمعتها قبلاً مئات المرات، دون تنبه، صوتها المخملي يمنح الراحة النفسية مع بدايات الصباحات، هي اليوم دعوة لالتزام المواطنين المواظبة على البقاء في المنازل، في غرقي لاختيار العنوان المناسب التفت إلى تاريخ صدور زاويتي، وجدت أن عيد الأم يكون بعدها بيومين.

كم أقلقتنا هذه الكورونا، رغم أذاها إلا أن الوقاية الذاتية سهلة، إلى جانب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة حرصاً على سلامة الشعب، فايروس مجهري، لا راد له في حال الإصابة، جميع الأوساط الطبية تؤكد أنه غير خطر، ونسبة الشفاء منه 97% هو لطف من الله الذي ما زال يكلأ هذا الشعب الصادق الثابت بعنايته، سنوات تسع، احتمل فيها ما أعجز العالم، قذائف، قصف، قنص، تفجير، موت بالمجان. تقبلناه بالصبر، صار التصبر سلوكاً عاماً نمارس طقوسه لنبعد شبح الانهيار.‏

انحشرنا نحن السوريين في الزمن الرديء، عندما بدأت تتلاشى مظاهر الحرب وتجر ذيولها، وقعنا في ما وقعت فيه سائر البشرية، في معظم بلاد الدنيا، حرب الكورونا، حرب حقيقية أجبرت العالم على سلوك موحد، أهم ما فيه تجنب الأماكن المزدحمة، ومنع التجول الذاتي، البقاء في المنازل، كدعوة فيروز لنا خليك بالبيت.‏

نكسر حصار أنفسنا بين الجدران، إن كانت مناعتنا ومناعة قديسة محرابنا جيدة، لننعم بدفء قهوتها، نستعيد معها زمن الحب والبساطة عندما كنا نكسر طميرة مصروفنا لنشتري (أقراطاً تقليدية) هي عندها أثمن من قناطير الذهب، زمن جميل أفل..‏

هل نلتزم المنازل ونكتفي بهاتف مصور، كي لا نؤذيها، لا مجال للاستهتار إن كنا في وعكة طفيفة، في الصين التزم الصينيون منازلهم رغم ملايينهم العددية في كل مدينة، فتجاوزت بأسرع من كل الحسابات محنتها من عدو أراد استهدافها بالقاضية.‏

لعل من استحضر الفايروس الذي تحدثت عنه أفلام ثمانينيات القرن الماضي، مثل معظم الأفلام الهوليودية التي تحدثت قبل عقود عما يحدث وحدث منذ 11 أيلول، خططهم تترجم أفلاماً، تعرض كأنها ضرب خيال، لكنها خطط بالمطلق.‏

حرب حديثة جيوشها فيروسات مجهرية، تصريحات مصنعيها خالية من الإنسانية، غايتهم قتل أكبر عدد من البشر، لا يهم إن طال سكان أميركا أو بريطانيا، فأعدادهم ترهق الحكام المهووسين بهواجس التغيير الموغلة فيهم، هلعهم من نهضة الصين، أشعلهم وأدخلهم في مأزق افتراض سيطرتها، تدميرها سدر آمن لهم، لكنهم فشلوا.‏

حاولوا صياغة الحدث بإيقاع يدهش العالم، يموت فيه الآخرون وأحبابهم كما صرح رئيس وزراء بريطانيا. إلا أنه طالهم كما الآخرين. وقعوا في التداخل والنقيض، ولم تأت مواقف المستهدَفين ضمن العناوين التي أرادوا لها صياغة الحدث بإيقاع متدرج فهدفهم تدمير مقومات الأمم وإلغاء شروط وجودها، لتصير حقول حجارة بلا تراب.‏

ستزول الأزمة مهما طال زمنها، وينتهي الفايروس كما انتهى غيره، كم من أقمار اختطفتها عتمة الحرب اللاذعة، لكن الفجر بدأ ينبلج، وكذا الفيروس.. ثمة حقول قمح تمحو جفاف العمر، وطلٌّ من شاخصات الغيم يغسل القلوب ويقتل الفايروس.‏

يا قديستنا ننتظر ندى صباحاتك على ورود حياتنا.. إلا وردة من عمري غادرت مع زهو أيامها البهجة؛ بكل ما فيها من نعمة العناق وحبور العيد، كانت تقارب بياسمينها أوردتي، كان حبها أُنسي وإلهامي، أربعة جداول تسيل على ضفاف من حنين، جف أصغرها عن ريعان ياسمينة، أضحى غيابها غسقاً، نام على غصنها العصفور الكبير.‏

قديستنا التي رعت قدّاح شجرة عمرها إلى أن أينعت وطابت ثمارها، كتاب عمرها رشفنا من بين دفتيه معنى الكبرياء، حبها رتق خروق أرواحنا الشفيفة لفراق العظيم جعلت حياتنا غابة فسيحة من غار وزيتون، والشمس دليلنا نحو أفق الحياة، رسمت من الشروق غابة قصب، ألحان ناياتها رسل حنين لأيام الصفاء، أمي فدتك روحي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية