|
رؤيـــــــة عين المبدع، كاتباً وفناناً، تتمرّن على التقاط تدرجات تلك الفروق.. وتعيد صياغتها وفق ظلال الطبيعة البشرية الثرّة.. يفترشها أمام أدوات تلقينا.. لتتخصّب بقراءات متنوّعة، ربما ما كانت لتخطر في بال المبدع نفسه. وجه من وجوه تلك الطيبة تمثلت بقدرة بطل الكاتب الياباني تايشي يامادا في عمله «الغرباء» على الاعتراف بكل مساوئ وجوده وأفعاله. يعترف لأبويه الميتين منذ زمن «أنا لست ذاك الرجل الذي يبدو أنكما تظنان أنه أنا». ما الحاجة إلى الاعتراف لمن لم يعد موجوداً بعد..؟ هل هي الرغبة إلى عيش أمانٍ مفتقد..؟ هل فكّر معظمنا أن الاعتراف يمتلك من القوة ما يخوّله ليكون نقطة انبعاث جديدة في أفق حياتنا المسدود..؟ انبعاث ذاتي جديد ينطلق من شرارة فعل المواجهة مع الذات أولاً.. وقبالة الآخر، تالياً. لعلنا نتوجّه إلى الرغبة بمحادثة الغائب، أحد الوالدين لاسيما الأم، كحالة تعويضية افتقاداً لرحم الأمان الأول وكأنما الحبل السري ما انقطع مع «الأم» يوماً.. ممتداً لبقية العمر في الحضور والغياب. أحد الشعراء يتلمس حبله السري الذي يصله بأمّه معلناً الحنين إلى الأمان، قائلاً: «أمي... ومنذ ثلاثين سنة، وفي كل ليلة قبل أن تنام... تقف على شرفة ذاك البيت البعيد البعيد... لتستمع إلى أصواتنا...». يتفشّى الإحساس بغياب الأمان زمن الأزمات والحروب.. فالغرائز هي الحاضر الأكبر على أرض الواقع.. وتكاد تطمس كل قدرة على التقاط ما تبقى لدينا من مخزون إنساني يتغذّى برفقة «الجمال». نعم، «الجمال»، بوصفه تعويذة سحرية تهمس لنا بها الأعمال الأدبية والفنية.. مهما اختلفت مصادر حضوره وتعددت هيئات تفاصيله متناهية الصغر، سيبقى ملاذنا الأهم الذي يشعرنا بكامل «الامتلاء» استغناءً عن كل امتلاك.. لأنه الحبل السري الذي يُعيد من خلاله «الأدب/الفن» اتصالنا مع العالم بعد كل قطيعةٍ معه. |
|