تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طريق النصر ليس بتدمير أفغانستان

شؤون سياسية
الأثنين 20/10/2008
د. حيدر حيدر

لم يتوان أي من المرشحين للرئاسة الأميركية جون ماكين وباراك أوباما من الإفصاح عن استعدادهما لإرسال مزيد من القوات والعتاد والمال إلى أفغانستان لدعم الحرب الدائرة فيه منذ سبع سنوات

أي منذ الغزو الأميركي لهذا البلد بحجة محاربة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001, ومنذ ذلك الحين والإرهاب يستفحل وقتل المدنيين يزداد وتدمير ما تبقٍى من بنية تحتية فقيرة في الأساس بل توسعت هذه الحرب لتشمل المناطق الحدودية الباكستانية المتاخمة لأفغانستان وهكذا يبدو أن الشعب الأفغاني يدفع وحده ضريبة هذه الحرب من أبنائه ومن وسائل عيشه دون وجود أي آفاق للخروج, أو بصيص أمل في نهاية نفق مظلم وضع فيه قسراً بعد أن أشهرت النيوليبرالي الأميركية سيفها المسلط ضد الشعوب لتحقيق طموحاتها ومآربها ,فقد استولدت قوة بطش غاشمة تسير على ساقين هما السياسة والاقتصاد وتفتيش دوماً عن أعداء وتحتاج دوماً إلى أسلحة تشهرها في وجوههم لتقضي عليهم وفي بحثها المحموم عن الثروة وتكديسها تستخدم الأسلحة الحديثة الأشد فتكاً لتستبدل بها الأسلحة القديمة المكدسة في ترسانتها العسكرية وهذا هو رأي المفكرين المتنورين في الغرب نفسه.‏

فمثلاً وبعيد الغزو الأميركي لأفغانستان أكد نعوم تشومسكي أن البديل العقلاني لإمطار أفغانستان بالقنابل هو : التأمل والتدبر في خلفية المشهد وما يزخر به من هموم ومظالم ومحاولة المعالجة بأدوية سلمية وإنسانية في الوقت الذي نحاول فيه فرض حكم القانون ومعاقبة المجرمين.‏

ويؤكد قائد عسكري بريطاني كبير في أفغانستان هو مارك كارلتون أن الحرب ضد الطالبان لايمكن كسبها بالوسائل العسكرية منوهاً إلى أن الرأي العام يجب ألا يتوقع نصراً عسكرياً حاسماً في هذا البلد مؤكداً أنه لا يمكن ,الانتصار في هذه الحرب لذا ينبغي تحويل طبيعة الحرب من نزاع نحاول حسمه بالحديد والنار إلى حوار يتم حل مشكلاته بالمفاوضات.‏

وحتى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس اعترف بأن جزءاً من الحل يكمن في التصالح مع تلك الفئة من الناس الراغبين والمستعدين للعمل مع الحكومة الأفغانية على حد قوله.‏

إذاً أساس المشكلة يكمن في قرار الغزو الأميركي لأفغانستان وهو قرار خاطئ بالتأكيد وهاهي الأوساط العسكرية الأميركية والبريطانية تعترف أخيراً بأنه لا يمكن إحراز نصر في أفغانستان فسبعون ألفاً من جنود الناتو والقوات الأميركية لم يتمكنوا ولن يتمكنوا من إحراز نصر ما باعتراف العسكريين الغربيين أنفسهم ونضيف أن زيادة عدد القوات وزيادة العتاد والدعم المالي كما يقترح أوباما وماكين أمام الناخبين الأميركيين الذين يجهلون حقيقة الأوضاع في أفغانستان لن يحل المشكلة الأفغانية. وهو ما صرح به الجنرال مايك مولن رئيس الأركان المشتركة بقوله إن الوسائل العسكرية وحدها غير كافية للنصر (.‏

ولكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه دوماً أي نصر مفترض سيتحقق?! ولماذا أصلاً قامت الحرب وجرى غزو بلد وقتل أبنائه الآمنين في الوقت الذي كان يمكن مساعدة الشعب الأفغاني بطرق أخرى أكثر نجاحاً للتخلص من التخلف والفقر والجهل وبالتالي خلق الظروف المناسبة لقيام حكم أكثر عدالة وأكثر انفتاحاً على العالم بدلاً من استخدام القنابل لترويع الآمنين وزيادة تمسكهم بمن يعتقدون ولو كانوا على خطأ بأنهم سيحموهم مثل طالبان وغيرها. إن أفغانستان بحاجة تحديداً إلى زيادة الاستثمارات فيها ومساعدة الناس فيها على استبدال زراعة المخدرات بمحاصيل زراعية أخرى للتخلص من هيمنة مافيات المال والمخدرات وأمراء الحرب في آن معاً. هي بحاجة إلى برامج وأموال وخبرات لإنشاء بنى تحتية وشق الطرق وإقامة المؤسسات التعليمية والصحية, وبحاجة لشبكات مياه شرب صحية وبحاجة إلى تفهم أوضاع سكانها وليست بحاجة إلى جيوش محتلة تقتل الأبرياء وتدوس على القانون وتزيد معاناة الشعب الأفغاني. إن التصدي للمظالم التي يعاني منها الأفغان هي الطريق الصحيحة لدرء الإرهاب أياً كان مصدره . أما زيادة رقعة الحرب الحالية لتشمل المناطق الحدودية الباكستانية المتاخمة لباكستان وزيادة القصف والبطش واستخدام الأسلحة الفتاكة فلن يزيد الطين إلا بلة.‏

المشكلة تكمن أساساِ في إدارة دولة عظمى قررت أن تهيمن على العالم بقوتها العسكرية والاقتصادية وجبروتها فهي تزيد عدد قواتها في العراق وأفغانستان وتنشر قواعدها في الدول الأخرى وتشعل فتيل الأزمات هنا وهناك, ولكن الحل الدولي الخلاق والعودة إلى لغة الحوار والعقل وإفساح المجال للأمم المتحدة ومنظماتها لتقوم بدورها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وحل الصراعات والنزاعات في العالم وما أكثرها بالطرق السلمية, هذه الوصفة كفيلة بتحقيق التوازن والاستقرار لعالمنا وهي وصفة مجربة. أما الطريق الأخرى أي الحرب والغزو فلن تجر سوى الهزيمة لمشعلها بالدرجة الأولى وهو ما نراه اليوم في أفغانستان باعتراف العسكريين الأميركيين والبريطانيين أنفسهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية