|
شؤون سياسية وبمعنى آخر: كيف السبيل في ظل قوة مهيمنة غاشمة تمتلك كل وسائل القوة لفرض رؤيتها الخاطئة..?.. وعندما عدت إلى حرب فيتنام وجدت أن الاقتصاد الأميركي وصل حينها إلى حافة الإفلاس بسبب الإنفاق الأسطوري على الحرب والاحتلال, عند ذلك برزت مؤشرات استطاع الشعب الأميركي العادي إدراك مدلولاتها وبالتالي حشد كل طاقاته للضغط على إدارته للانسحاب من فيتنام حتى استجابت. اذا عندما تمس لقمة خبز قد يثور ويجبر ادارته على الانسحاب من العراق.. والآن وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الغزو, بدأت طلائع هذه المؤشرات بالظهور. في المرحلة الأخيرة للحرب الأميركي في فيتنام خلال عقد سبعينيات القرن الماضي, أخذ سعر صرف الدولار الأميركي يتدهور وذهب بنصف قوته الشرائية خلال سنوات معدودة, ونتج عن ذلك أمران: أولهما أن الدولار أخذ يفقد مكانته وقيمته كوسيط نقدي في معاملات التجارة العالمية, وثانيهما: مع التراجع المتسارع للقوة الشرائية للدولار اندلعت حالة غلاء عام في أسعار السلع والخدمات في السوق الاستهلاكية داخل الولايات المتحدة نفسها, فيما أخذ الإنفاق الحكومي على مستلزمات تصعيد الحرب وتوسيع نطاقها يجري على حساب الإنفاق على الخدمات الاجتماعية للأسر الأميركية كالتأمين الصحي. مثل هذه الموشرات خلال الحرب الفيتنامية ساهمت في تأجيج الشارع الأميركي ضد الحرب وكانت أحد الأسباب الرئيسية لحمل الإدارة الأميركية على وقف الحرب على خلفية الهزائم الميدانية المتتالية التي كانت تمنى بها القوات الأميركية. الآن وقد تجاوزت الحرب الأميركية في العراق عامها الخامس تبدو في الأفق مؤشرات أو طلائع مؤشرات مماثلة, فالدولار الأميركي يتهاوى فاقدا حتى الآن نحو 40 في المئة من قيمته. والنمو التضخمي يزحف في السوق الاستهلاكية الأميركية مولدا غلاء متصاعد المعدلات, والإنفاق الفيدرالي على الخدمات الاجتماعية يتقلص لأن الأولوية أصبحت للإنفاق الحربي. صحيفة ) هيرالد تريبيون( الأميركية, قالت في أحد أعدادها إنه بينما استخدم الرئيس بوش حق الفيتو الدستوري لأحباط مشروع قانون بشأن التأمين الصحي للأطفال الأميركيين, تقدم بطلب إلى الكونغرس للمصادقة على 46 مليار دولار لتمويل حربه في افغانستان والعراق بعد أن شهدت تراجعا في أدائها جعلها هدفا سهلا لهجمات المسلحين.. والسؤال الذي يطرح بشكل ملح: متى يبلغ التذمر الشعبي في الولايات المتحدة ذروته لإجبار الادارة الاميركية بوش على وقف الحرب في العراق كما أجبر الشارع الأميركي ريتشارد نيكسون على إنهاء الحرب في فيتنام? وإجابة على هذا السؤال يرجح بعض المحللين أن الشعب الاميركي إنما يتنظر موعد الانتخابات الاميركية القادمة للاطاحة بالمحافظين الجدد مراهنا على ادارة جديدة قد تحمل الاستقرار الى العالم والولايات المتحدة ذاتها. لكن الهيرالد تريبيون تطرح السؤال بشكل مختلف: هل الهدف من الحرب الأميركية في العراق هو حماية الأمن القومي الأميركي كما تقول الإدارة الأميركية أم أن الهدف هو إثراء شركات إنتاج السلاح والنفط الأميركية ووسطائها داخل مؤسسة السلطة الأميركية? وهنا مربط الفرس لأن المرجح هو الاحتمال الثاني ما سيجعل هذه الشركات تتمسك بوسطائها في الادارة الجديدة, وفيما لو حدث ذلك فإن العالم سيستمر في حالة فقدان الوزن لسنوات قادمة قد تؤدي إلى مستويات كبيرة من التضخم تدفع بدورها إلى حرب عالمية جديدة ,لكن يبقى الرهان على الشعب الأميركي الذي لابد أن يثور ضد ادارته وخصوصا عندما يصل الأمر إلى حد إفقاره وخوض الحروب بذرائع شتى على حساب خبزه ولقمة عيشه. |
|