|
شؤون سياسية ليس لأن أحداثاً مماثلة وقعت في مدينة الناصرة قبل ثماني سنوات ما زالت تذكر بعد أن وصلت شرارتها إلى مدينتي اللد والرملة في وسط فلسطين المحتلة, بل لأن هناك من يغذيها من أصحاب الفكر العنصري بين اليهود بوسائل إعلامية مختلفة, تذكرنا بالنازيين. ففي ذروة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفييتي السابق, نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مراسلها في تل أبيب )أليكس برايان( أن إعلانات ألصقت على مداخل المحال الرئيسية في شارع ديزنكوف تقول: نحن بحاجة إلى عمال, ولا نرغب في أن يكون بين المتقدمين من هو روسي . والشيء نفسه, من حيث العبارات العنصرية, كتبه كبير المحللين السياسيين في صحيفة يديعوت أحرونوت (12/10/2008) ضد العرب. في كتابه )بشرة سوداء, أقنعة بيضاء كتب العالم النفساني والاجتماعي الفرنسي )فرانس فانون( (1925-1961) الذي تشكل كتاباته لعنة للاستعمار: )لا داعي لمحاربة العنصرية, إذا لم نوضح بداية أبعاد الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة المسيطرة, ويمس بالمجتمعات, بالسياسة, بالثقافة وأيضاً بالتشكل النفسي( (انظر: المحامي علي حيدر: عكا . صرخة إنذار -عرب 48). وبناء على ما قاله فانون, الذي كانت كتاباته مصدر ثقافة عالية في عصر تعلق فيه المثقفون بالوجودية فكراً وفلسفة, نستطيع القول إن المجتمع اليهودي داخل الكيان الصهيوني لم يفهم بعد, بأن سياسة القوة وثقافة الهيمنة وكبح الحريات لن تجدي, وبأن هناك مجموعة قومية عربية فلسطينية يقدر تعدادها, حسب معطيات الدائرة المركزية للإحصاء, بنحو مليون ونصف المليون نسمة, وأنهم يشكلون ما نسبته 20% من مجموع السكان, وأن العرب الذين يقيمون في المدن الساحلية من فلسطين المحتلة يشكلون ما نسبته 10% من مجموع سكان هذه المدن وهي: عكا وحيفا ويافا واللد والرملة, وهم يعيشون في ظروف اقتصادية, اجتماعية, سياسية وثقافية سيئة, يعانون الفقر والبطالة, والاضطهاد على خلفية قومية. ومن علامات هذا الاضطهاد أن سمحت المحكمة العليا, التي توصف بأنه حارسة الديمقراطية الإسرائيلية لليهود بالتظاهر في مدينة أم الفحم العربية المغلقة والتي لا يعيش فيها ولو يهودياً واحداً. وأن لهذه المجموعة ثقافتها ولغتها ومعتقداتها وهويتها ونمط حياتها ولا يمكن للأغلبية اليهودية التي لا يجمعها إلا الدين, أن تفرض عليها سيطرتها وتطمس هوية المجتمع الأصلي . ومن هنا فإن الواضح هو أن عكا , التي تفاخر بماضيها التليد من حيث إنها لم تخضع للغزاة أمثال نابليون بونابرت, وكانت يوماً قاعدة للحكم في فلسطين والجوار من الديار الشامية, ليست مكان إقصاء أو قهر وتمييز فقط بل هي أيضاً مكان منافسة على الحيز الجغرافي والثقافي بين اليهود والعرب والذي يتبدى باللوحات التي تحمل اسم المدينة بالعربية وليس بالعبرية أو من خلال التمسك برفع الأذان, أو من خلال التمسك بالمسكن الذي يتخذ فضاءً لاستعادة الذكريات: هنا أقاموا, هنا قعدوا وهناك كان الراوي يحكي قصصاً عن أحمد باشا الجزار. وفوق ذلك فإن عكا ذات موزاييك يهودي من العديد من دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق, وبالتالي فإن هذه الأكثرية اليهودية تدين بالولاء للثري اليهودي الروسي المنشأ غايدماك الذي عرّف نفسه يوماً بأنه )رئيس وزراء المستوطنين . القصة في عكا بدأت بحشد يهودي من طلاب المدارس الدينية في عكا ومستوطنين كانوا يقيمون يوماً في قطاع غزة, قبل أن يدخل عربي بسيارته, لأمر عائلي, الحي الشرقي من المدينة الذي تسكنه أكثرية يهودية, فكان دخوله شرارة أشعلت حريقا من العواطف في عكا, فلم يجد السياسيون الإسرائيليون الذين يعيشون على التطرف من مصطلح يطلقونه على حالة الاضطراب التي سادت المدينة آنذاك إلا )مذبحة يهودية Jewish pogrom وهو تجييش استخدمه في وصف الوضع عدد من أعضاء الكنيست قائلين: إن حرب يوم الغفران تحولت في عكا إلى مذبحة ضد اليهود , في حين أدرك رئيس الوزراء المستقيل إيهود أولمرت حقيقة الوضع فقال: )موجة من المستوطنين تهاجم قرى عربية . وفي إطار التجييش رأى يوفال ستاينتس, الذي يوصف بالليكودي الناري, أن إسرائيل أصبحت البلد الوحيد في العالم الذي تجري فيه المذابح ضد اليهود , جرياً مع حقيقة أن إسرائيل أقل بلدان العالم أمناً لليهود(. وعلى خطاه جاءت عضو الكنيست إستيرينا تارتمان باندفاعة عنصرية تقول المذبحة في عكا برهان آخر على أن العرب في إسرائيل يشكلون تهديداً حقيقياً للدولة العبرية( (الغارديان البريطانية 10/10/2008). وجاء في تعليق لمراسل الصحيفة في إسرائيل seth freedman بعنوان إسرائيل وتعصبها الديني قوله: المشكلة المتوارثة في إسرائيل وهي بلد تشكل بما يتوافق مع تعاليم الدين هي أن المعتدلين يدفنون تحت كومة من الصخور وتيار من الشتائم buried under a pile of rocks and a streaqm of abuse أما المحرضون والنزاعون لإثارة الشكوك من الإسرائيليين فقد شبهوا مدينة عكا بالقنبلة الموقوتة التي تنتظر الانفجار وهو توجه ما كان ليرى النور لولا العنف الذي يتبعه الإسرائيليون. وهو عنف مدبر غايته حمل السكان العرب على الرحيل من المدينة. وإذا كانت الانتفاضة الثانية عام 2000 قد اندلعت إثر قيام آرييل شارون بزيارة لباحة المسجد الأقصى, وهي انتفاضة كانت تمتلك كل مقومات الانطلاق, حسب الكاتب الإسرائيلي نداف شرغائي في سلسلة من مقالات كتبها في صحيفة هآرتس بدءاً من 10 حزيران 2000, فإن الحقيقة التي طغت على ملامح الأحداث في عكا هي أن السياسيين والمعلقين على حد سواء كانوا مسارعين في القفز إلى عربة المتدينين religious bandwagon الذين زعموا أن دخول السائق العربي إلى الحي اليهودي قد ألحق الأذى بمشاعرهم, بيد أن اليهودي الذي يزعم بأن طهارته الدينية لم تلوث كان ملوثاً بل غارقاً في الضلال عندما قرر بكل هدوء أن من حقه قيادة السيارة في يوم الغفران, وإذا فسر هذا التصرف بأنه )منسجم مع حرية اليهودي في إسرائيل التي تبدو في نظر العالم دولة أكثر تسامحاً من أي دولة عربية أخرى, فإن مراسل الغارديان يذكر الإسرائيليين بالقول: إن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.your freedom ends where my nose begins. ويبدو أن القائمين على الشأن الإسرائيلي في مدينة عكا كانت لهم أهداف بعيدة المدى تطول الوجود العربي في المدينة, حين أمر رئيس البلدية فيها )شمعون لانكري( بإلغاء المهرجان المسرحي الذي يجري كل عام مع يوم الغفران أو ما يسمى )عيد العرش( اليهودي والذي كان من المقرر أن يبدأ يوم الاثنين 13/10/2008 وهو إلغاء رأى فيه العرب في المدينة )عقاباً جماعياً لهم» إذ حرمهم من )رزق وفير في مناسبة الأعياد». أما الدور التحريضي للمعلقين الإسرائيليين فقد تجلى في عنوان مقال لصحيفة هآرتس عكا تحترق مستعيداً بذلك الفيلم الأميركي الشهير مسيسبي تحترق الذي يصور عنصرية البيض ضد السود. ووصف جدعون ليفي عكا بأنها البوسنة الصغيرة , وأضاف: إن عكا لا تشبه البوسنة فقط, وإنما تشبه نابلس أيضاً, ففي كل ركن فيها يوجد حاجز. |
|