|
لوموند وأزمة المصارف التي استدانت من مصارف, وتلك بدورها استدانت من أخرى, تكثر التفسيرات والتأويلات, وكلها ناقصة غير مكتملة, ولكن, الحقيقة الجلية أن الولايات المتحدة بدأت في طور الانهيار, وهي تدفع متأخرة تكاليف سياستها الحربية العدوانية, التي لم تجن منها أي نتائج اقتصادية ايجابية, وسوف نستعرضها هنا: خلال العشرين عاماً المنصرمة كرست واشنطن نفقاتها بشكل أساسي على الأمور الدفاعية والعدواينة, مثل الدرع الصاروخي والدرع الأميركي, وتطوير تسلحها, وكذلك حربها الأولى على العراق, ومن ثم حربها على أفغانستان و العراق ثانية. ومؤخراً باشرت بإحكام مراقبتها على المواطن الأميركي, وكل العالم. ناهيك عن تكاليف الضغوط الفاشلة التي مارستها على سورية وإيران ولبنان, تلك التكاليف جميعها تم اقطتاعها على حساب استهلاك المواطن الأميركي, وتحولت إلىجيوب العديد من الأشخاص المعنيين بالأمن وباتجاه تطوير تجهيزات حربية ومراقبة, والتي بالتأكيد لن تؤدي إلى تحسين مستوى حياة المجتمع الأميركي. وأمام ذلك, ومن وجهة نظر اقتصادية, أي بغية الحفاظ على توازن وصحة مالية, وتحصيل هذه التكاليف, لم تجد الإدارة الأميركية بداً من خفض مستوى المعيشة للمواطن الأميركي, أي إنفاق باهظ للحرب, واقتصاد في استهلاك المواطنية, ولكن حربهم على العراق التي لم تحظ بتأييد جماهيري, أرغمتهم في نفس الوقت على التفكير بالحفاظ, بل الارتقاء بمستوى حياة المواطنين حتى لايعارضوا بحزم هذه الحروب الطويلة الأمد (طال أمدها أكثر من الحرب العالمية الأولى والثانية, والعائلات بدأت تصلها نعوش أبنائها, والجرحى والمصابين عقلياً), وتجلى التفكير بالبديل الصناعي في رفع إنتاجية النسيج الصناعي إلا أن اعتماد أميركا على التكنولوجيا الرفيعة جعل من هامش تحركها في هذا المجال محدوداً وفي الوقت ذاته, ومن أجل السير في اتجاه رفع نسب الأرباح, راحت باتجاه نقل جزء كبير من الانتاج الأميركي نحو الصين, طمعاً في انخفاض أجور اليد العاملة هناك, وهذا أدى إلى إثقال الديون الأميركية لدى الصين, بشكل أساسي, وكرد على ذلك قررت الحكومة الأميركية الاستدانة بحدود المحمول, وإلا فإن المودعين الأجانب سيفقدون ثقتهم بالاقتصاد الأميركي ويطالبون باسترداد أموالهم, واتجه تفكيرها , من ثم إلى مطالبة حلفائها بالإسهام في دفع تكاليف الحرب المباشرة, ولم يكن ذلك بالكافي. وقررت الحكومة الأميركية, حينئذٍ بإشراك جميع شركائها التجاريين دون موافقتهم ورغبتهم, وذلك من خلال خفض سعر الدولار. فمن جهة هذا سيؤدي إلى خفض الدين الأميركي, و من جهة أخرى سيقود ذلك بلداناً,مثل فرنسا, التي عارضت الحرب على العراق إلى خفض صادراتها نحو أميركا, ورفع حجم وارداتها من المنتوجات الأميركية, والذي سيؤدي بدوره إلى اختلال الميزان التجاري وتصدير البطالة إلى أوروبا ودول أخرى, ولم يف بالغرض خفض سعر الدولار, الذي وصل إلى أدنى مؤشراته, وقد عمدت الصين أيضاً إلى خفض سعر عملتها, ويعني القول هنا, إلى أي مدى قادت السياسة العدوانية الأميركية البلاد إلى التطرف المالي الإجباري. وأمام ذلك, أعطيت الأوامر إلى السلطات المالية, لإطلاق العنان للقروض إلى السكان, كتعويض عن عجز الدولة في إيجاد السيولة لتوزيعها حسب الناتج الوطني من أجل إيهامهم بتحسن ظروفهم, ولم يدم هذا الوهم طويلاً, فقد سقطت ورقة التوت, وانخفض سعر الدولار أكثر مما خطط له منظرو التخفيض, ليسير نحو قيمته الحقيقية, وقيمته المصرفية جاءت نتيجة ضغوط دبلوماسية وتهديدات اقتصادية واسعة, إذاً, لقد انهار الدولار إلى حدود لم تكن لتتوقعها الحكومة الأميركية, وظل أعلى من قيمته الحقيقية, ورفع الدائنون الأجانب معدلات الفوائد من أجل استرداد جزء من ديونهم للبنوك الأميركية, وكان ارتفاعها سريعاً وعنيفاً, في ظل نظام مالي مهدد بالانهيار بسبب غياب حس المسؤولية لدى الإدارة الأميركية واستفاق أصحاب المنازل التي اشتروها بالقروض على واقع مؤلم, لقد فقدوا دفوعاتهم الأولية لشراء المنزل, وأكثرهم مدينون للمصارف, لقد كان عهد الفشل الاقتصادي للرأسمالية الأميركية هو تفكك الصناعة. وأكد فشل الإمبريالية العسكرية التي دمرت بلادها بسلوكها العدواني على روسيا, والسعي لتفكيك )الشرق الأوسط(, والبحث عن بسط هيمنتها العالمية, دون أن تحصد أي نتائج إيجابية, فروسيا الآن أقوى مما كانت سابقاً على صعيد التسلح الإستراتيجي وتموضعها الجغرافي, وإيران تواصل تطوير سلاحها النووي السلمي ولا أحد يستطيع منعها, حتى فكرة قصف المدافع النووية الإيرانية استبعدتها سواء لها أم )لإسرائيل(, خوفاً من الرد الباهظ الثمن, فيما أفشلت قوى المقاومة اللبنانية )إسرائيل( عسكرياً. وكوريا استأنفت من جديد العمل ببرنامجها النووي, وتطالب الحكومة العراقية الموالية لأميركا بإعداد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وشكلت كل من كوبا وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور تحالفاً ضد أميركا, وثمة مصادر استخباراتية تقول القاعدة صارت أقوى من ذي قبل, وصار واضحاً أن الولايات المتحدة لاتستطيع الانتصار على جميع الجبهات وضد الحركات الشعبية. وقد أعلن المسؤولون العسكريون الأميركيون أن الصراع الحالي فيما منطقة )الشرق الأوسط( باهظة التكاليف, كما وتحد من قدرة مبادرات الجيش الأميركي في العالم, وتعوقه عن ضمان التفوق الأميركي في مواجهة رهانات كامنة أكثر خطورة, في وقت ترتقي فيه قوة روسيا والصين والهند , وتكبح جماح الانبثاق السياسي والعسكري لأوروبا, والذي يحتفظ شعبها الآن بصورة سيئة عن الولايات المتحدة, والمشكلة أن الحكومات الأوروبية والروسية والصينية مازالت تعتقد أن الاستهلاك الأميركي هو محرك آلتها الإنتاجية, وسوف تواصل منح القروض لها, وتقبل الدفع بالدولار المرتفع السعر, والحكومة الأميركية المقبلة سوف تفكر لاشك, بتصويب الوضع, ولكن يخشى أن يكون الوقت ضيقاً للغاية.. وفي كل الأحوال, بدأ أصدقاء أميركا كما أعدائها الاعتماد في احتياطهم بالعملات على سلة عملات ليست بالدولار. والحديث جارٍٍ الآن عن إدارة جماعية للأزمة المالية العالمية, وأميركا غير معارضة, أي إن العالم المتعدد الأقطاب بدأت تسير قاطرته. الإنترنت - عن موقع ALTER INFO |
|