تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(ماكينة) صناعة الرئيس و(الميديا) الأميركية!

آراء
الأثنين 20/10/2008
أحمد صوان

ثمة ماكينة ربما تبدو غير مرئية أو محسوسة, تصنع مايراد وأن يصنع وفق إرادات ورغبات وأهداف القائمين على هذه (الماكينة) فكما أن هناك من يصنع الموت, هناك أيضاً من يصنع الإرهاب,

ويصنع النجوم ويصنع المال, كما يصنع الرؤساء, أقول هذا, قبل نحو اسبوعين عن اجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية وسباقها الذي بات يضيق على المتنافسين باراك اوباما عن الحزب الديمقراطي الأميركي وجون ماكين عن الحزب الجمهوري.‏

فمع العد العكسي لهذا السباق الماراثوني الذي استمر زهاء عشرة أشهر إلى أن حط الرحال بين الاثنين إلى انتخابات ستعود إلى فوز احدهم على الآخر, وصناعة الرئيس كانت قد بدأت مع أول إشارة إلى أن عام 2008, وهو العام الأخير من ولاية الرئيس بوش في الرئاسة, إثر التهديد له لفترة أربع سنوات ثانية بعد انقضاء ولايته الرئاسية الأولى التي كانت عاصفة وأثارت الزوابع. كما الحال مع الولاية الثانية ومن ذلك بدأت ماكينة صناعة الرؤساء تدور وتدور من أجل اختيار البديل من بوش, وإذا كان الرهان قد وقع على أحد اثنين: باراك أوباما أو جون ماكين, إلا أن هذه الماكينة كانت قد حفزت وفعلت ديناميكيتها باتجاه (التغيير) مادامت ولاية بوش وهي ولاية جمهورية قد أثارت كل هذه العواطف والزوابع والأزمات ولم تكن مصادفة أنه يأتي باراك أوباما إلى سباق الانتخابات خلف شعار (التغيير) وليس المقصود منه بوش كرئيس, بل هم الجمهوريون الذين كانوا وراء الرئيس بوش قرارات وسياسات وخطط وبرامج وضعت كل الولايات المتحدة, ومعها العالم في مصيدة يصعب في ظل الأزمة المالية الخانقة الخروج منها أو على الأقل الإيحاء بإمكانية الخروج منها إلابالتغيير ومع كتابة هذه المقالة, تكون المناظرة الثالثة بين المرشحين المتنافسين أوباما وماكين قد حسمت المداخلات والسجالات فيما بينهما , وبات الناخبون أقرب إلى من سيدلون بأصواتهم ليكون الرئيس القادم للولايات المتحدة ولأربع سنوات قادمة مبدئياً.‏

ولما كانت المناظرة قد حشدت زهاء ثلاثة آلاف صحفي , تنقل مباشرة إلى العالم كله على الشاشات التلفزيونية , فالواقع أن الماكينة التي تصنع الرؤساء إن لم تكن(الإعلام ) فإن الإعلام في كل تأثيراته وضغوطاته يعد العنصر الأقوى في صناعة الرئيس الأميركي , ولا أقول هذا من باب الترف أو الاجتهاد بقدر ما أشير إليه بسبب ما يمثله الإعلام من قوة تأثير كبيرة وضاغطة على دافع الضرائب الأميركي, وعلى الرأي العام في جميع الولايات الأميركية إلى حد أن هناك من يرى أن الإعلام من (صحافة وإذاعة وإنترنت وتلفاز) هو القوة الوحيدة والحقيقية المؤثرة في الداخل الأميركي, ولما كان من المعلوم أن وسائل الإعلام أو أجهزة (الميديا) وحين تختار أن تقف إلى جانب هذا المرشح أو ذاك, فإنها في ذلك تعطي مؤشراً خطراً على أنها قادرة على ضم الملايين من الناخبين إلى صفها, فعلى سبيل المثال حين تقول نيويورك تايمز أو واشنطن بوست أو (سي. إن. إن) إنها مع باراك أوباما في مواجهة جون ماكين, فهي في ذلك تطلق صفارة ماكينة صناعة الرئيس عبر غسل الدماغ الأميركي وقولبته باتجاه معين وواضح ومحدود ومباشر, بذلك تبدأ خطوة حركة الماكينة ولما كان لا وجود للمصادفة في السياسة في معظم الأحيان, فإنه من قبيل تهيئة الأوضاع وترتيب الأجواء والإعلان قبيل المناظرة الأخيرة بين أوباما وماكين, تم فتح صنبور استقصاء الآراء واستطلاع خيارات الناخبين بإظهار أن أوباما تقدم على ماكين ب14 نقطة وهي سابقة في سياق التنافس الانتخابي الرئاسي الأميركي, وكان يقف وراء هذا الاستطلاع صحيفة (نيويورك تايمز) التي هي بمثابة مصدر أوامر لقرائها وبتوزيع يتعدى 60 مليون نسخة يومياً في الولايات المتحدة الأميركية, وكذلك شبكة (سي بي إس) التلفزيونية هذا الفارق الكبير بين المرشحين يشكل سلاحاً لمصلحة أوباما وذلك حين يدخل مواجهة تبدو فرصها حاسمة لتحقيق هزيمة مرة بالمرشح الجمهوري ماكين وربما لا يعود السبب في ذلك إلى قوة أوباما وضعف ماكين, لكن قوة الأول تعود إلى توارث بوش, وضعف ماكين سببه أيضاً ما لحق بأميركا والعالم على يد الجمهوريين في السنوات الثماني الماضية وهذا ما نعنيه في علم السياسة بالظروف الموضوعية أو الواقع العام الذي لا يستطيع أحد استثماره وتوظيفه على نحو يخدم الظروف الذاتية إلا (الإعلام), أو أجهزة (الميديا) كما يحلو للبعض استخدامها كمرادف لوظيفة أجهزة ووسائل الإعلام, على أنها وسائل اتصال وتواصل في ظل ثورة المعلومات والفورة التكنولوجية والعولمة والإنترنت الخ..‏

باختصار انهم يصنعون الرئيس كما يصنعون رغيف الخبر والسيارة والمركبة الفضائية, والنجوم, ولايمكن لأحد أن يقفز فوق هذه القدرات, وما يعد لها من إمكانيات, وكذلك من كفاءات قادرة على قولبة الحياة من خلال قولبة العقل ولله في خلقه شؤون وشجون.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية