تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لندقق قليلاً..!

آراء
الأثنين 20/10/2008
علي قاسم

تشتمل الكثير من الدراسات البحوث التي تسوق إلى عالمنا العربي تحت يافطة منظمات ومؤسسات متخصصة, تشتمل, على أرقام تستدعي التوقف, وعلى نسب تلح في الاستفسار عن الحقائق التي تقدمها.

واحدة من هذه الدراسات التي عمدت محطة عربية إلى تسويقها تقول :إن 19% من الرجال العرب يرفضون حمل السلاح دفاعا عن الوطن, حتى ولو كان مهددا من الأجنبي أو واقعا تحت الاحتلال.‏

في القراءة المنطقية لهذه النسبة ثمة أمران يستوقفان أي متابع ,الأول : يتعلق بالغاية من تمرير هذه المعلومة في برنامج مسابقات يصل عدد الذين يشاهدونه أرقاما مخيفة, والثاني في العينة التي تم اختيارها لتصل هذه النسبة إلى ما وصلت إليه, إذ أن الجمهور المشارك في البرنامج داخل الاستديو لم يعط أكثر من عشرة بالمائة في أسوأ الحالات فيما كان يمني النفس ألا تتجاوز حدود الواحد بالمائة.‏

وأكاد أجزم أن المتابعين من خارج الاستديو توقعوا أن يكون في السؤال مصيدة بحيث تكون النسبة أقل من واحد بالمائة, وربما صفر, وتلاقت مع بعض الأصوات الهامسة داخل الاستديو التي كانت تتحدث عن ذلك بوضوح.‏

لكن الذي حصل أن المعلومة مرت كجواب على سؤال عادي لا يستدعي أي استفسار أو استفهام عما تعكسه تلك المعلومة, وكأن الأمر لا يعني أحدا من المتابعين, وليس فيه من التجني شيئا, بل هو في سياق إجابة على سؤال مثله في ذلك مثل أسئلة كثيرة أخرى.‏

أما في الحقائق التي تحاول أن تقدمها, لا بد من العودة إلى مسلمة برزت في أكثر من اتجاه على مستويات مختلفة, وفي أوقات متفاوتة, دون أن ننسى أو نتجاهل مؤشرات تقود بهذا القدر أو ذاك إلى مفهوم المؤامرة, إذ أن ثمة وقائع على الأرض لا تكتفي بالتدليل عليها, بل أيضا تؤكد على أنها مصدر فعلي لكثير من الأرقام المتداولة عن العالم العربي والمنطقة عموما, وهي أرقام في معظمها تنحو باتجاه تيئيس الواقع العربي لا تكتفي بما ترده من تلك الأرقام المغلوطة, وإنما تغلفها بسمة الموضوعية حينا , والحيادية في أغلب الأحيان .‏

وما يصيب بالإحباط أكثر أن المساهمين في نشرها في غالبيتهم هم من داخل الوطن العربي, ويعملون على ترويجها تحت ستار من الشعارات البراقة التي ما فتئت تقدم كل يوم سردا غير منظور لجمل متشابهة مصفوفة على رتم واحد يكاد لا يتبدل.‏

والأدهى من ذلك أن يكون المشهد برمته عبارة عن تداعيات متصلة ببعضها في إطار التسويق المبرمج الذي يجد مساحة هائلة أمام غياب الرقم العربي إحصاء ودراسة ونسبا, والاعتماد كلية على الرقم القادم من هناك , مثله في ذلك مثل الكثير مما هو قادم , وكأنه الملجأ الوحيد للبحث عن رقم هنا وإحصاء هناك.‏

ومع تزايد الحاجة الفعلية للرقم بكل أشكاله ازدهرت مجموعة من الاتجاهات المرتبطة بهذه الحاجة ووصلت حد التورم حين باتت تؤخذ دون نقاش أو جدل, بل استخدمت في كثير من الأحيان لتمرير ما عجزوا عنه بالوسائل الأخرى, بما فيها الحربية أحيانا.‏

لذلك ثمة حاجة فعلية للتدقيق أولا, ولإعادة النظر في الكثير من المسلمات التي بنتها تلك الدراسات والإحصاءات على مدار عقود ثانيا, والأهم العمل السريع على توفير الرقم العربي البديل المنتج في هذه الأرض وهي قضية لا نعتقد أنها مستحيلة, إذا ما توفرت الإرادة الفعلية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية