|
شؤون سياسية وقعت كل من السعودية والولايات المتحدة صفقة تسلح قياسية بقيمة 30 مليار دولار في رسالة سياسية لا تخفى عناوينها ذات النوايا والأهداف المشبوهة، فواشنطن التي اضطرت أواخر العام المنصرم إلى سحب قواتها من العراق بعد هزيمة عسكرية واقتصادية مذلة تحاول أن تتفادى المزيد من التورط المباشر في قضايا وأزمات المنطقة، وتريد أن تعوض بعض خسائرها الاقتصادية الثقيلة خلال سنوات الحرب التسعة، كما أنه من بين أهدافها الدفع بمزيد من التوتر على ضفتي الخليج للتغطية على انسحابها من جهة، والإبقاء على مسوغات ومبررات التدخل المباشر في الوقت الذي تريد من جهة أخرى. فكما هو معروف لواشنطن في منطقتنا حلفاء كإسرائيل تريد أن تحافظ على أمنهم، بالإضافة إلى أشباه حلفاء وأتباع وأدوات صغيرة كتركيا وبعض الدول العربية الخليجية تريد أن تحفظ لهم أدوارهم التي تخدم المصالح الأميركية، في مقابل ذلك خلقت واشنطن لنفسها خصوماً وأعداء على رأسهم سورية وإيران بالإضافة إلى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق، وهي تريد إبقاء أعدائها ضمن استهدافاتها الطويلة الأمد وتحت ضغوطها المباشرة، كتعويض عن الفشل في إعادة رسم الخرائط الجيوسياسية التي تناسب أطماعها. فعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن حافظت واشنطن على سياسة ثابتة في المنطقة تتمثل باستبدال الخطر الصهيوني المحدق بدول وشعوب المنطقة، بخطر آخر مزعوم هو الخطر الإيراني «أو ما يسميه البعض البعبع الإيراني»، وقد عملت واشنطن على تضخيم هذا الخطر واستغلاله بحيث أصبح بالنسبة إليها بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً، من خلال صفقات السلاح التي توقعها والقواعد العسكرية التي تنشئها في دول الخليج العربي، والجميع بات يدرك اليوم أنها مهدت الظروف والأجواء لاندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وهي من شجعت العراق على احتلال الكويت عام 1990، ولم يعد خافياً على أحد كيف استفادت الولايات المتحدة من تلك الخطيئة الكبرى لتعزز نفوذها ووجودها في المنطقة. ولعل استمرار نفخ واشنطن في نيران الخطر الايراني المزعوم قد ساهم بخلق سوق رائجة للسلاح الأميركي لدى الدول الخليجية التي تبذر إيرادات نفطها على تكديس السلاح من أجل حروب تعلم جيداً أنها حروب الآخرين على أراضيها ومياهها، وقد عمدت واشنطن طوال أزمة الملف النووي الإيراني على تصوير هذا الملف وكأنه موجه فقط لاستهداف دول الخليج، مع العلم أن إسرائيل هي التي تحتكر السلاح النووي في المنطقة وهي التي تهدد باستخدامه ضد العرب، وهي التي تضع نفسها في مواجهة مباشرة مع إيران تحت عنوان التسلح النووي. في المقابل أظهرت القيادة الإيرانية مرونة كبيرة في التعامل مع جيرانها في الخليج، وبعثت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من رسائل الود والصداقة إلى العواصم الخليجية ودعت قادة دولها إلى التعاون في المجال النووي السلمي والاستفادة من الخبرات الإيرانية في هذا الحقل، كما دعتهم إلى تعاون في المجال العسكري يحفظ أمن الخليج واستقراره، ولكنها قوبلت بآذان صماء والمزيد من الضغط السياسي والإعلامي وحملات التحريض التي تستعديها. ومع علمنا أن صفقات السلاح الأميركية الباهظة التكاليف للدول العربية وخاصة الخليجية لن تستخدم في يوم من الأيام لمواجهة إسرائيل الطامعة بأراضينا ومياهنا وثرواتنا، ولن تسهم في رفع الحصار عن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، ولن توقف تهويد القدس المحتلة أو تعرقل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ودليلنا على ذلك أن واشنطن رفضت تسليح الجيش اللبناني بأسلحة دفاعية لأن عقيدة هذا الجيش مبنية على العداء للكيان الصهيوني، وهي بالتأكيد لن تعزز الأمن والاستقرار في مياه الخليج ولن تكون في صالح العلاقات الطيبة بين ضفتي الخليج، إلا أن لهذه الصفقات وآخرها الصفقة بين واشنطن والرياض أهداف أخرى من قبيل رفع الشعبية المتدهورة للرئيس الأميركي باراك أوباما قبل انتخابات رئاسية يخشى نتائجها، وتوفير الآلاف من فرص العمل للقطاع الصناعي الأميركي وبالتالي التخفيف من وطأة الأزمة المالية الأميركية المتفاقمة، عدا عن زيادة توتير الأجواء في مياه الخليج العربي خدمة لإسرائيل المتربصة للجميع. ويبقى السؤال الأهم هل ستستفيد المملكة العربية السعودية من هذه الصفقة الباهظة التكاليف، وهل هي حقا بحاجة لإنفاق ثلاثين مليار دولار في هذا التوقيت بالذات لمصلحة أمنها واستقرارها ورفاه شعبها، أم إنها لا تملك خيارا آخر غير التوقيع والدفع ؟! |
|